- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الرجل الذي اسقط وجهه (قصة بقلم منتظر الزيدي)

بات لايحتاج الى ملامحه طالما رحل كل من يعرفونه
حتى الذين لايعرفوه غادرهم خوفا من وشايتهم
رحل بعيدا، حيث لا الشمس تلفح سمرته، ولا تزعجه صافرات الانذار الصادرة من سيارات الاولياء الصالحين، وهي تجوب شوارع المدينة ذهابا وايابا..!!
لاتحضره الذاكرة لاحصاء عدد الدكاكين التي ودعت بيع الخبز والتبغ ،وابدلتهم ببيع صكوك الغفران وآيات الرجم والتحريم .
تذكر ازدراء الحي له لانه كان علمانيا اي (ملحدا) بنظرهم. والنظرة الدونية التي تقرض غيابه وحضوره، لانه مؤمن بان الارض كروية، والجزم بكروية الارض محرمٌ طالما يحمل اشارة غير مباشرة الى كرش الاولياء الصالحين الذين جاءوا لأنقاذ البلاد من الفساد..!
هكذا حمل وجهه، وراح يجوب اصقاع بلاد الصقيع.
وجهه الحليق الذي سبب له مشاجرة مع شيخ صغير لم يختم قصار السور حتى، حين صرخ به (يافاسق).
هذا الوجه الحليق لم تشفع له علمانيته من اصوات الغرباء وهي تناديه (ارهابي). راح يرتاد حانة المدينة دفعا للشبهات، بذات الحماسة التي واضب بها على الصلاة في جامع حيه القديم . والاصوات التي كانت تهمس مع انتهاء كل صلاة (احذروا منه فافكاره مسمومة)، صارت هنا اصوات ترطن بلغة لايفقهها ،الا ان لغة العيون تفسر حجم الريبة منه (قد يفجر نفسه بأية لحظة ).
كان يترجم نظراتهم الشزرة.بانها صرخات تطالبه بالعودة الى بلاد الارهاب..! تمتزج باصوات في رأسه من ذاكرة بلاده المؤلمة …اخرج ايها الفاسق نحن لانريدك.
ما الذي يميز الوطن عن الغربة سوى الحنين الى الذكريات .!؟
مالذي يجعل الغربة اهون وقعا، سوى الامان والعيش بسلام .!!
وها قد تساوت هموم المنفى مع آلام الوطن ..
تتساوى كل العبارات حين يخرس الفم عن القول..ويصبح المنفى بالمنفى يساوي صفر في زوايا الروح الضائعة.
ماالذي يفعله رجلاً عجز عن اقناع ابناء لغته وجلدته، بانه يختلف عنهم بأشياء غير محسوسة تسمى (الافكار) ،بمكان تبدأ تهمته من سحنته وملامحه الى لغته وخلفيته؟.
وفيما كان يمشي قرب بحيرة المدينة ،اتكئ على الحاجز الحديدي ونظر الى الماء، شاهد فيه السماء الرمادية وصورة المهاجر التي يحملها وجهه. بدت ملامحه واضحة على صفحات الماء تذكركه بانه اللامرغوب في هذا الكوكب.وبينما كان يمعن النظر في قاع الماء وقاع الروح، خطرت بباله فكرة ظن انها ستخلصه من عقدة الاختلاف ،فقد قرر تغيير وجهه .نظر يمينا وشمالا وجدَ حجراً صغيراً ،جلبه وعاد مسرعاً،خشية هروب انعاكسه من الماء. انتظر قليلا وهو يسدد بعناية على وجهه في الماء .رمى الحجر فتعكرت الصورة وانقسمت على شكل موجات مدورة، راحت تبتعد رويداً رويدا. تخيل ان كل موجة اخذت معها جزءا من ملامحه، من دموعه وسمرته وعيونه والمناظر القاسية التي شاهدها على مر السنين .
عاد مبتهجا. ومنذ ذلك اليوم واضب على تغيير ملامحه يومياً بعد الظهر في تلك البحيرة .عبر جراحة تجميلية بواسطة حجر يرميه في الماء ويعود سعيدا منزويا بأي مكان وكأنه غير مرأي.