- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الدور الأميركي في مرحلة ما بعد النووي الإيراني

NAssiraنصيرة بلامين

يبدو أنّ القوى «السنية» تشعر ببعض من النفور من قبل الولايات المتحدة وهي تتخوف من أن يكون الوضع الجديد منطلق يدفع ويشجع طهران إلى التطلع إلى طموحات سياسية في المنطقة.
لم يلتف عديدون إلى أحد نقاط ضعف اتفاقية جنيف حول البرنامج النووي والموجودة ضمن طيات الننصوص. فالاتفاقية المبرمة مع إيران من قبل مجموعة «5+1»، موقعة من الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن وكلها تمتلك القنبلة النووية. إسرائيل مثلها مثل بعض دول العالم العربي، وخاصة دول الخليج رفعت اعتراضات قوية قبل أن تعود وتؤيد الاتفاق من دون أية حماسة. ومن الرّياض إلى تل أبيب مروراً بالدوحة، كان للمسؤولين السياسيين منذ البدء نظرة متصلبة وغير مرحبة للمشاريع النووية الإيرانية ومن المقاربة التي اتخذتها إدارة أوباما لمعالجة الملف. وقد أحدثت اتفاقية جنيف خيبة أمل وقلق في هذه المنطقة.

فإسرائيل تعتبر هذه الاتفاقية «انتصارا عظيما للدبلوماسية الإيرانية». أمّا المملكة العربية السعودية ودول الخليج فهي تشك في أنّ هذا الاتفاق يمنع إيران من امتلاك القنبلة النووية في نهاية المطاف. وهم يحتجون في ذلك على بعض العيوب في الاتفاقية التّي لا تنص على تفكيك البرنامج، وقد تتيح تخصيب اليورانيوم –بنسبة 3,5 بالمائة- متجاهلة جانبها العسكري السّري، وهذا ما يثير قلق هذه الدول.

والأمر لا ينحصر في هذا الشق بل أيضا في كون المسؤولين الإيرانيين، الذّين سعوا دائما إلى كسب الوقت، فيما هم يواصلون نشاطاتهم «غير القانونية»، لم يثبتوا حتى الآن حسن نيتهم. وتخشى القوى السنية في المنطقة من أنّ هذا الاسترخاء وابتعاد الضغوط من قبل الولايات المتحدة قد يفتح بابا لطموحات إيران «الشيعية» في المنطقة. فالسؤال الذي تطرحه هذه الدول التي تعتبر أن طهران منغمسة في العديد من الأزمات في المنطقة –سوريا، ليبيا والعراق- هو هل ستكون أيدي إيران نظيفة وبعيدة عن هذه المناطق المشتعلة بعد توقيع الاتفاقية؟.
وتشعر هذه البلدان الخليجية ومعها إسرائيل بأنّ الولايات المتحدة تخلت عنهم بحيث أنّ هذه الأخيرة تراجعت مرتين منذ الصيف الماضي في سوريا وفي إيران.وكونهم حلفاء قدامى لواشنطن، فإنّ إسرائيل والمملكة العربية السعودية تعتمد على الأمريكين في أمنها الوطني. ويبدو أنّ عجز العاصمتين عي التأثير على البيت الأبيض منذ وصول براك أوباما إلى سدة الحكم يجعل مسألة الثقة في متانة العلاقة الاستراتيجية على المحك.
وفي عالم معدوم القطبية أو «صفر القطبية» كما يقول لوران فابيوس، حيث القوى العظمى لم يعد لها أيّ تأثير كما كانت عليه قبل، ويوافقه حسين حقاني، سفير باكستان الأسبق في واشنطن الذي صرح في منتدى حول الأمن الدولي انعقد في «هاليفاكس» «لابدّ من مراجعة النّظام الدّولي ومبادى عدم انتشار الطاقة النووية الذّي لم يعد لها أيّ فعل على أرض الواقع». ويضيف إنّ: «الاتفاق في شأن إيران كان من الواجب أن لا يشمل فقط الأعضاء 5+1». وبرأيه فإن دول الخليج والمملكة العربية السعودية بدأت دراسة خيارات مختلفة  «فهي تدرك تماما أنّه عندما يعزم بلد ما على اقتناء القنبلة النووية فإنّه يحوز عليها بلا شكّ» حسب قوله. بينما يرى البعض أنّ معاهدة عدم انتشار الطاقة النووية هي أيضا «معاهدة أمنية»  وأن مكافحة عدم انتشار الطاقة النووية ليست فقط في مصلحة أعضاء مجلس الأمن بل تنعكس على أمن جميع البلدان وحتّى البلدان التي لا تمتلك الطاقة النووية،ومن هنا وجب إشراك العديد من الدول غير النووية وليس فقط البلدان الغربية.

يبدو أنّ الحلّ الوسط الذّي تمّ الوصول إليه مع إيران خلق صدمة في الشرق الأوسط خصوصا أنه يصل بعد «حل مسألة الكيميائي السوري»، ويبدو واضحاً أن الولايات المتحدة  قررت سحب التزاماتها في المنطقة والتوجه نحو منطقة آسيا ومنطقة المحيط الهادي وهي الرقعة التي أصبحت تحتلالأولوية في استراتجية واشنطن الجديدة. وكون البيت الأبيض غير راغب وغير قادر على فرض وجهة نظره في المنطقة، فهو يجد نفسه في مواجهة مع إيديولوجيات متطرفة وديكتاتوريات يضطر إلى القبول بنصف حلول في قضايا كانت الحروب أو التهديد بها هي التي تحلها سابقاً (العراق، ليبيا، يوغوسلافيا، الصموال، أفغانستانو ثم ليبيا إلخ… ).

ويعمّ القلق لدى جميع حلفاء أمريكا ولا يقتصر هذا القلق على بلدان الخليج  ديبلوماسي غربي يقول في مؤتمر هاليفاكس: «كيف سيصبح العالم عندما تنسحب قوة عظمى من منطقة دون أن تعد الأرضية لذلك؟» فهو لا يرى أحدا قادراً على الحلول محل الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، من هنا يبدو أن جلفاء أميركا ينتظرون «قائد جديد يتكفل بالمهمة».