- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الثورة السورية تتجاوز صمت النخب… وتُفرز مثقفيها

الفنان محمد آل رشي من القلائل الذين جاهروا بتأييد الثورة، وتم اعتقاله الخميس

دمشق ــ رغدة العزيزي
«المثقف ضمير أمته»، مقولة لم ينسها بعض مثقفي وفناني سوريا ليخرجوا متظاهرين في13 تموز من قلب العاصمة دمشق منادين بالحرية وأسقاط النظام، ليضموا صوتهم إلى أصوات الشارع الثائر، وكسر ادعاءات النظام واتهاماته بأن التظاهرات تأخذ طابعاً سلفياً، خاصة أنها تخرج من المساجد، عدا عن جهودهم في توجيه دعوة إلى جميع السوريين للمشاركة، وبغية تذكير النظام بأن تظاهرات الشارع تجمع كل اطياف البلاد تحت شعار الوحدة الوطنية.
تظاهرة المثقفين حدث نوعي، إذ خلقت توازنا في الشارع السوري الثائر. لتكون نقطة تحدٍ في مسار الثورة. إلا أنها وعلى أهميتها تبقى الحدث اليتيم ضمن سياق التظاهرات، لتضاف الى نشاطات وفعاليات للمثقفين، منها اصدار البيانات وعقد لقاءات وندوات تناولت شؤون وشجون الثورة وما يتعرض له الشعب السوري من قمع جراء الاحتجاجات.
غير أن حراك المثقفين لم يكن كليا. فثمة قسم من المثقفين السوريين آثروا الانكفاء وعدم الدخول المباشر في فعاليات الثورة، الامر الذي ترك التباسات في النظرة إلى المثقفين، حيث اعتبر البعض ان مشاركتهم في الثورة ضعيفة او دون المستوى المطلوب.
واذا حاولنا مراجعة الأسباب التي آلت بالمثقف السوري إلى هذا المستوى، نجد أنه تراكم تاريخي جرى عبر الأربعين سنة الماضية، حاول الحكم البعثي فيها تدجين كافة شرائح المجتمع بما فيها الشريحة المثقفة ويستثنى منها المثقف المعارض. وما يحصل في اللحظة الراهنة كان نتيجة طبيعية، فمن الصعوبة لمن التحق بالسلطة من المثقفين او ولد في كنفها، وأكتسب منها طوال الأربعين سنة الماضية ودخل دائرة الفساد الذي خلقها النظام السياسي الاقتصادي، ان يترك النظام ويلتحق بالشارع الذي تفاجأ بتظاهراته، في الوقت
الذي كان يراهن فيه على انه لن يستفيق، ما جعلهم في حالة ذهول وعدم قدرة على معرفة كيفية اللحاق به أو مشاركة الناس حراكهم خاصة أنه لم يكن هناك مثقف شعبي في سوريا.
هذا الوضع الملتبس جعل الناشط اليساري موفق اسماعيل يقول «الثورة اليوم بدأت تفرز المثقفين، معلنة عن نوعين منهم: المحافظ على ما اكتسبت يداه في ظل الفساد، واخرين ناضلوا ضده. وما نشاهده اليوم من مخاض للثورة يرينا قاماتٍ فكرية اتسم موقفها بالحذر والالتباس. يدافعون عن النظام بدعاوة الممانعة اياها، وبعض المثقفين وقفوا إلى جانب الثورة، إلا أن هناك بشائر بتنا نلمسها، ونتنبأ بأنه سيكون لدينا مثقفون جدد من الناس تكمن أهميتهم بأنهم يستمدون ثقافتهم من خلال ولادتهم مع هذا الحراك، معبرين عن روحه الاحتجاجية لا عن ثقافة التبعية للسلطة».
ويشير احد المثقفين: «ان الوضع الحالي يبقى الاختبار الحقيقي لصدقية المثقفين في مواقفهم وانحيازهم، خاصة بما فيه من اللحظات الحرجة، التي تتطلب إعلاء صوت الحق والحقيقة بلا تردد أو مواربة، مهما كان ثمنهما باهظاً، والاصطفاف إلى جانب الشعب، بصرف النظر عن سيف السلطة. وعلى المثقف السوري أن يحسم أمره سريعاً، ويراجع رهاناته بعدما ولت حقبة السلطة وقدمت حقبة الشعوب، وعليه أن يقوم بمسؤوليته كمبشر بالثورة، مشارك فيها، داعم لها، وليس موظفا عند الأنظمة، مبرراً لأخطائها، صامتا على جرائمها»، على نحو ما يبدو موقف رئيس اتحاد الكتاب العرب، حسين جمعة، الذي راح يردد مرارا «أن الأمن لم يقتل المواطنين، بل الشهداء سقطوا على أيدي العصابات المسلحة».
من البديهي أن تضغط الأزمة المتفاقمة وجسامة المعاناة والتضحيات على خيارات المثقفين السوريين، فتحرمهم فرصة التهرب والبقاء بمنأى عما يحدث، وتضعهم على مفترق طرق، إما الانحياز إلى صفوف المتظاهرين لدعم مطالبهم المشروعة في الحرية والكرامة وبناء الدولة الديموقراطية، وإما الوقوف على أعتاب الصمت أو على بلاط الحاكم وأصحاب الخيار الأمني. فالشارع الذي بات يفرز مثقفيه في حراك أسال دماء السوريين سيعيد تشكيل وعيه الجديد وفق معطى اسمه الشعب متجاوزاً كل النخب الثقافية.