نقطة على السطر
بسّام الطيارة
ما أجمل الكتابة. ما أجمل أن يكون للمرء -الصحفي- فسحة يعبر عبرها عن أفكاره. تزداد اللذة عندما يكون الصحفي في موقع المسؤولية في المنبر الذي يعتليه. فيصول ويجول ويكتب من دون حساب أو رقيب. يرمي قرّاءه بما يجول في فكره أو ما «يتحسسه من ضرورات» لدعم موقعه في المؤسسة والنفخ في شراعها في اتجاه رياحها.
هذا جميلٌ جداً. ولكن. يوجد شرط كي يبتعد عن «الغلط».
شرط أن يتذكر الصحفي ما سبق وكتبه عندما يقارب موضوعاً سبق له وتناوله (لنقل في نفس المؤسسة الإعلامية إذ من السهل تفهم تغير أفكاره مع تغيير موقعه !). سبب هذا التذكير هو ما يكتب اليوم عن مصر. ما يعيدنا إلى ما سبق وكتب عن الثورة السورية وقبلها التصفيق الذي رافق الربيع العربي وقبل ذلك مديح صدام الذي أعقبه مديح الاحتلال الأميركي قبل أن تلعن من يرهب بلاد الرافدين، وقبلها … وقبلها صفق لحزب الله وللمقاومة … وكان يصفق لعد الناصر بعدها صفق لياسر عرفات و لـ… ماركس …
الحديث اليوم عن مصر.
صفق الجميع لسقوط مبارك … ما عدا دول الخليج التي سارعت إلى «سجن المستشفى» حيث وضع الرئيس المعزول في محاولة لشراء حريته.
صفقت الصحافة لسقوط حكم العسكر.
صفقت الصحافة لثلاث عمليات انتخابية جرت في أجواء جديدة على الشعب المصري.
خف التصفيق بوصول الإخوان إلى الحكم.
بدأت الانقسامات تظهر على سطح التناول الإعلامي للشؤون المصرية.
٣٠ يونيو نزلت جماهير غفيرة إلى الميادين تطالب بتنحية الرئيس المنتخب. صفق الصحفي كتابةً وتناسى الانتخابات وتصفيقه السابق لها.
حوّل الصحفي الجماهير الغفيرة إلى «صندوق انتخابي افتراضي» وحوّل نفسه إلى مركز إحصاء فأحصى ٣٣ مليون مصري في الشارع.
تناسى الصحفي ما كتبه عندما صفق لسقوط الطغمة العسكرية.
تناسى الصحافي ما كتبه عندما صفق للانتخابات.
وبدأ الصحفي التصفيق لعودة العسكر.
صفق الصحفي كتابةً لـ«إفراغ الساحات» وتناسى الـ ١٠٠٠ قتيل على يد العسكر.
صفق الصحفي كتابةً وتصفيقاً حامياً لعودة «الناصرية». صفق الصحفي كتابةً لكل من كتب يقول إن ما حصل «ليس انقلاب».
فتح الصحفي عيناه فإذا به يرى أن كل تصفيقاته الكتابية السابقة كانت «غلط بغلط».
فعاد يصفق يريد أن يلفت النظر إلى سجن طالبة ١١ عاماً بسبب مشاركتها في تظاهرة. وصفق يريد عودة باسم يوسف إلى شاشته المفضلة. تردد الصحفي في التصفيق لسجن «البطل» أحمد ماهر… ثم صفق كتابةً… لم يعد يعرف لماذا يصفق ولمن يصفق..
تعب الصحافيون من التصفيق كتابةً فعاد بعضهم إلى فيسبوك وآخرون إلى مشاهدة كرة القدم يصفقون للمبارة بين ريبيري رونالدو وزلاطان… وبعضهم عاد يكتب أشعاراً ويبحث عن وسيلة إعلامية جديدة لا تطلب منه التصفيق لكل تكويعة سياسية وتغرمه كتابة ١٠٠ سطر «كله كان غلط بغلط».