نقطة على السطر
بسّام الطيارة
توفي الرئيس السابق للبلاد نلسون مانديلا عن عمر يناهز الـ ٩٥ عاماً. نعاه وسينعيه الرؤساء والملوك وسيبكيه شعبه. إلا أن مانديلا ذهب وهو قرير العين بعد أن «انتصر» … انتصر لشعبه ولبلده.
ثلاثون عاماً في سجن انفرادي في «جزيرة الشيطان» وهو الاسم الذي أطلقه الشعب على «روبن أيلاند» المواجهة لمدينة كاب.
ثلاثون عاماً أنهاها وهو يفاوض من السجن من داخل السجن. رفض السجاد الأحمر ورفض أي احتفال ما لم يتم تفكيك نظام لأبارتهيد-الفصل العنصري الذي دام ٥٠ عاماً والذي منع العلاقات بين السود والبيض والذي حصر وظائف وفنادق ومراحيض للبيض ووصل به الأمر لتحديد مناطق وساحات وشوارع مخصصة للبيض وأخرى مخصصة للسود أي للأكثرية.
يذكرني هذا بفلسطين.
رفض مانديلا كل عروض الخروج من السجن ما لم يفرج عن كل المناضلين السود. رفض مانديلا توقيع أي اتفاق (رغم مفاوضات دامت سنتين) قبل أن يعلن رئيس وزراء الفصل العنصري «دي كليرك» من البرلمان في ٢ شباط/فبراير ١٩٩٠ نهاية نظام الفصل العنصري والإفراج عن المساجين السياسيين وإطلاق حرية الأحزاب.
يذكرني هذا بفلسطين.
عندما خرج مانديلا من سجنه بعد ثلاثين عاماً ، قام بجولة حول العالم. لم يتسرع ويطالب برفع العقوبات عن «بلده»، هذه العقوبات التي دفعت البيض للقبول بتفكيك نظام الفصل العنصري، مانديلا طالب بإبقاء العقوبات «على الأقل حتى أول انتخابات نيابية حرة».
لم يعط وهو يفاوض. بل أعطى بعد أن حصل على ما يريد.
يذكرني هذا بفلسطين… والذين يفاوضون عن فلسطين الذين يعطون قبل أن يجلسوا على طاولة المفاوضات. والذين بابتساماتهم ومصافحاتهم العلنية ورفع الكؤوس لشرب الأنخاب يمنعون العالم من فرض عقوبات على إسرائيل.
مانديلا رفض الخروج من السجن قبل الحصول على ما يريد من اتفاق. مانديلا طالب بإبقاء العقوبات حتى تنفيذ الاتفاقات.
أخطاء كثيرة ارتكبها المفاوض الفلسطيني من عرفات إلى عباس. العجلة كانت من الشيطان. واللهاث وراء المناصب والسجاد الأحمر ساهم في إبعاد الأهداف الوطنية وإطالة مفاوضات عبثية لم يعد لها لزوم.
غياب مانديلا الذي أطلق سراح بلاده أفريقيا الجنوبية «بعد ٣٠٠ عاماً من الاستعمار و٥٠ عاماً من الفصل العنصري» يذكرني بفلسطين… ولكن يذكرني أيضاً بإسرائيل.
لينظر الشعب الإسرائيلي إلى هذه الأرقام: ٣٥٠ عاماً لم تمنع الشعب الأفريقي من أن يعود ويستلم مقاليد حياته عبر ديموقراطية.
أخطاء القيادات الفلسطينية تؤخر الوصول إلى حل الدولتين، ولكن عناد وجهل القيادات الإسرائيلية تقود فلسطين وإسرائيل نحو حل على مثال أفريقيا الجنوبية، حل يقوله المنطق: لا يمكن لنظام فصل عنصري أن يدوم لا يمكن لأقلية أن تحكم أكثرية.
يسعد اليوم حكام اسرائيل بالمفاوضين الفلسطينيين … ولكنها سعادة بانتظار مانديلا فلسطيني عربي. وفي السجون الإسرائيلية العديد ممن فاقت مدد سجنهم ٣٠ سنة. فليجلس المفاوضون جانباً على سجاداتهم الحمراء ووراء مكاتبهم الفاخرة وليتركوا التفاوض للمساجين.