باريس- بسّام الطيارة
من الصدف أن التدخل الفرنسي في أفريقيا، وهو الثاني خلال أقل من سنة، جاء في اليوم الذي يفتتح فيه فرنسوا هولاند قمة «الإليزيه للسلام والأمن في أفريقيا». وصادف أيضاً مع خبر وفاة نلسون مانديلا خبر ألقى بثقله على القمة وغطى إعلامياً على عملية التدخل.
وجاء أيضاً في بداية عطلة نهاية الاسبوع، وبالتالي ولم ينتبه المواطن الفرنسي إلى أن بلاده التي تعاني من أزمة مالية تذهب مرة ثانية في مغامرة في مستعمراتها السابقة.
ويأتي كل ذلك بموازاة ضعف سياسي استثنائي للحكومة الاشتراكية والرئيس هولاند. وقد حاول وزير الدفاع جان إيف لودريان أن يشرح بأن «التدخل اليوم يختلف عن التدخل في مالي». ففرنسا اليوم لا تسعى، حسب قوله، لردع مجموعة مقاتلة معينة كما حصل في مالي، بل عليها أن تقوم بدور الشرطي بين مجموعات عدة ساهم تقاتلُها في انهيار هيكلية دولة أفريقيا الوسطى.
كما اعترف الوزير، ولأول مرة، بأن القتال اليوم في هذا البلد الأفريقي «صفة نزاع ديني».
شدد هولاند وكافة الوزراء المعنيين على أن هذا التدخل سيكون «لفترة قصيرة من الوقت» قدرها هولاند بـ«ستة أشهر». وهي إشارة إلى مواطنيه الذين يعانون من ثقل الضرائب التي فرضها عجز الميزانية الفرنسية.
ولكن من المشكوك به أن تنتهي الحملة خلال تلك الفترة القصيرة. مع التذكير بأن هولاند سبق له ووعد بإخراج الجنود الفرنسيين من مالي بسرعة وهو ما لم يحصل.
على الجيش الفرنسي اليوم مقاتلة المتمردين السابقين الذين احتلوا العاصمة من جهة، ومقاتلة فلول الجيش السابق الذي يحاول استردادها من جهة أخرى. أضف إلى ذلك أن سكان العاصمة منقسمون في تأيديهم وهو ما يفسر عدد القتلى المرتفع بين السكان. ولكن بعد التدخل الفرنسي يمكن لكل فريق أن يرى الفرنسيين كجيش معاد ومحتل يساعد الفريق الآخر.
من هنا ستكون صعوبة تجريد المتقاتلين من سلاحهم كما يوصف هدف التدخل الفرنسي. خصوصاً وأن الفرز الديني بين الأقلية المسلمة والمسيحيين الذين يشكلون ٨٠ في المئة من سكان البلاد، قد بدأ يظهر على سطح الحدث الأفريقي وهذا يفسر الاتهامات لـ«سودانيين وتشاديين مسلمين» بارتكاب مذابح.
والجدير بالذكر أن معلومات تشير إلى أن مجموعات مرتزقة أوروبية أيضاً تصول وتجول في داخل البلاد لوضع اليد على ثروات طبيعية تذخر بها أفريقيا الوسطى وهو ما يمكن أن يعقد مهمة الجيش الفرنسي. والقوات الأفريقية «ميسكا» الضعيفة أصلاً.
هولاند شرح في قمة الإليزيه بأن هدف فرنسا الأول هو العمل مع أفريقيا على »ضمان أمنها بالكامل» لتتمكن من التحكم بمصيرها. ووعد القارة الأفريقية بمساعدتها على تشكيل وتأهيل قوات تدخل سريع.
مصادر تحدثت عن لقاءات سياسية وعسكرية تدور وراء الكواليس بين فرنسا ودول أفريقية مثل جنوب أفريقيا وتشاد وإثيوبيا وغانا أو السنغال لتحضير الإعلان عن إنشاء مثل هذه القوة. بالطبع إن هدف الحكومة الفرنسية من هذه التسريبات تخفيف وطأة وقع التدخل الجديد على المواطن الفرنسي.