من هو «برنار سكارسيني»؟ الإجابة على هذا السؤال تدل على أهمية الكتاب الذي صدر قبل أيام في باريس تحت عنوان «المخابرات الفرنسية: رهانات جديدة»، والذي يحوي «معلومات رهيبة» حسب وصف أحد كبار السياسيين، والذي ينتظر مما حواه الكتاب أن «يفجر مجموعة قنابل سياسية لا أحد يدري من يمكن أن تصيب».
برنار سكارسيني هو «الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي» الفرنسي (DST) منذ عام ٢٠٠٧، والذي كلفة
الرئيس السابق نيكولا ساركوزي إنشاء جهاز مركزي للمخابرات الفرنسية يجمع بين مختلف أجهزة الأمن على نسق منظومة الأمن القومي الأميركي.
عند وصول الاشتراكيين إلى الحكم أول قرار أصدره هولاند كان بوضعه في تصرف الإدارة العامة أي «كف يده» إلى أن تحين سنة تقاعده. فخرج من السلك.
هل هذا الكتاب هو للانتقام من الاشتراكيين؟ يجيب السياسي البارز، «لا أعتقد بأن في الأمر انتقام فهو يتحدث عن أحداث تعود إلى العهد السابق وإن هو انتقد بعض ما حصل حول الكيميائي السوري أي في العهد الحالي» ويضيف «رغم خطورة ما يقوله سكارسيني إلا أن هدف إصلاح الاعوجاج في إدارة الأجهزة الفرنسية واضح… وفي النهاية فهو موظف عالي خدم الإدارة الفرنسية ولا زال في احتياط الشرطة الوطنية».
إن كل صفحة من هذا الكتاب تحمل بين أسطرها ما يمكن أن يشكل «سبقاً صحافياً رناناً»، إذ أن بعض المعلومات المنشورة على لسان رئيس جهاز أمن دولة كبرى لها وزن في الصحافة يفوق بكثير وزن «التسريبات والإشاعات»رغم أن بعض ما يقوله سبق للصحافة أن تناقلته من دون إسناد لمصادر موثوقة أو على الأقل مصادر يمكنها أن تكذب أو تؤكد تلك الأخبار.
وفي خضم هذا الكم من المعلومات قررت «برس نت» معالجة جانب (بسيط) منها يسلط الضوء على الوضع اللبناني المتأزم وعلاقة المخابرات بشكل عام بتمويل الكتائب الجهادية بشكل عام وتنظيم «القاعدة» بشكل خاص (من صفحة ٨٩ إلى صفحة ٩٢).
يعتبر سكارسيني أن «مسألة تمويل الإرهاب على طاولة البحث مند ربع قرن» (ص ٨٩) أي مع بداية الاعتداءات الإإهابية في أوروبا.
ويوجه أصابع الاتهام مباشرة لمصارف «سعودية ومصرية وكويتية» يقول إنها مولَّت تنظيمات إرهابية ويذكر من بينها «الجماعة الإسلامية» في مصر و«الجماعة الإسلامية المسلحة» (GIA) في الجزائر، في حين أن القضاة والمحققين كانوا يجدون صعوبة كبيرة في تتبع مسير التحويلات المصرفية ومصادرها.
ويكشف (ص ٩٠) أن شبكات التمويل قد تم «إعادة هيكلتها وإن كان بعضها ما زال مصدره المملكة العربية السعودية» ولكنه يشير أيضاً إلى أن بعضها «يمر عبر قطر التي تنشط كثيراً » ويصفها بأنها باتت «بارعة في صناعة أنظمة تمويل تعتمد على القواعد المالية الدولية الحديثة بما فيها برامج الاستثمارات القانونية أو شراء حصص في شركات
عالمية» وينهي بأن معظمها يعود «ويصب في شبكات اجتماعية على علاقة مباشرة مع المجموعات المسلحة».
لا يتردد سكارسيني من القول إن «السعودية لا تمول مباشرة الجماعات الإرهابية» ويشرح كيف أنها اكتشفت بعد فوات الآوان بأن «تمويلها لإعادة تأهيل قدامى غوانتانامو فشل» وأن أعداد كبيرة عادت وسقطت في سياق الإهاب وأن «مساعداتها الإنسانية عادت لتنفجر في وجه مجتمعها إرهاباً».
إلا أن سكارسيني يشير إلى أن كل التحقيقات التي قامت بها الأجهزة (الفرنسية والغربية حسب سياق الكتاب) تدل على أن التمويل السعودي للإرهاب هو «تمويل خاص» مع الاعتراف بأنه «يصعب جداً التمييز بين الحلقات الخاصة والفضاء العام». ويعطي مثالاً على ذلك في لبنان ويكتب (ص ٩١) :«يبدو أن تمويل المجموعات الجهادية في لبنان المنتمية إلى تنظيم القاعدة، والمتواجدة في مخيمات الفلسطينيين في ضواحي صيدا وطرابلس، يأتي مباشرة من الأمير بندر بن سلطان» ويشرح بأنه «يتبع سياسة إقليمية خاصة به مستقلة عن سياسة أشقاءه وأبناء عمومته في القصر الملكي».
