معمر عطوي
منذ أتى الشيخ حسن روحاني الى رئاسة الجمهورية الايرانية بعد انتخابات حزيران عام 2013، كتب صاحب هذه الكلمات عن بداية عهد التسويات والحلول للأزمات التي تعصف في المنطقة، وبعد نحو أقل من شهرين من حلف الرئيس المعتدل اليمين الدستورية، بدأت مصاديق التصورات بالظهور تباعاً وصولاً الى توقيع اتفاق جنيف-3 النووي بين طهران ومجموعة الدول الست التي تضم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن (صاحبة حق النقض) وألمانيا.
وفيما برزت اشارات سلبية الأسبوع الماضي على خلفية توسيع مروحة العقوبات الأميركية ضد إيران لتشمل اشخاصاً وكيانات جديدة متهمة بالتعاون في تطوير البرنامج النووي الايراني المُشتبه بالعمل على تحويله الى برنامج عسكري، بدا أن الايرانيين ورغم سحب مفاوضيهم من مباحثات الخبراء النوويين في فيينا “للتشاور”، مصرون على متابعة المفاوضات كما أعلن وزير الخارجية محمد جواد ظريف.
إذن التسويات قائمة وتسير على نار هادئة رغم كل التوتر الذي يحيط بالمنطقة، لأن الطبخة حين تقترب من النضوج لا بد أن درجة غليانها ستتضاعف، وأن عناصرها الداخلية ستكون في حالة تشبه الإعصار.
هذا ما يحصل اليوم في لبنان من تفجيرات واعتداءات على المواطنين وعناصر الجيش اللبناني وبعض السفارات، وما يجري في طرابلس من استمرار لعمليات القنص والقتل، إضافة الى استمرار معارك سوريا وازدياد تورط حزب الله وفصائل لبنانية أخرى في مستنقعها. من دون ان ننسى العراق وما يتواصل على ارضه من تفجيرات دموية ضخمة وفتن مذهبية، مروراً بمصر واستمرار الانقلاب على السلطة الشرعية وغرق المحروسة في الفتن والمعارك الدموية. أما ليبيا التي وقعت في شر أفعال قادتها فدخلت عصر الاغتيالات والتصفيات تمهيداً لخلو الساحة من النخب، فيما تحاول تونس مهد الثورات العربية ان تعالج جروحها السياسية والأمنية بالحوار رغم كل التعقيدات المحيطة والظروف المعاكسة.
وبين جنيف-3 وجنيف -2 لا بد أن تتصاعد وتيرة العنف والمعارك في اكثر من بؤرة من بؤر العالم العربي المتوترة، فالطبخة لا تزال على النار والصفقات بحاجة الى أكباش فداء من الصف الثاني والثالث، لذلك ليس غريباً أن تصل لعبة الموت الى ذروتها مع اقتراب نضوج طبخة التسويات في المنطقة، في ظل ما تشهده من تحولات سياسية ومواقف غير مسبوقة على أكثر من صعيد. فأوراق القوة نفسها التي تعزز موقف المفاوض هي التي تكون في العادة الضحية التي يتم التنازل عنها لمصلحة الصفقات الدولية الكبرى.
ما شهدته صيدا أمس من اعتداء دموي على الجيش متزامنا مع اعتداء اسرائيلي مماثل على الحدود، هو غيض من فيض مما ستعيشه المنطقة في مرحلة ما قبل اعلان عقد الصفقة. وكما يقول المثل العامي “بالرزق مش بصحابو” تتصرف الكارتيلات الدولية الكبرى في مفاوضاتها ومساوماتها مع أدواتها التابعة التي أوصلتها الى ما هي عليه من قوة وما تمتلكه من نفوذ.
فمجيء روحاني الى السلطة فتح باب التسويات ليس فقط بين ايران والغرب انما على أكثر من جبهة من الجبهات المُشتعلة، لكن الثمن سيكون غالياً وهذا هو مؤشر ارتفاع درجة الغليان في هذه المرحلة، إذ ان الطبخة لا تزال على النار وهذا لا يعني ان ثمة لاعبين لا يريدون للطبخة أن تنضج فيضيفون عليها الماء حيناً او مكونات أخرى قد تفسد طعمها وربما يأتي طرف فيركل الوعاء ويطيح بكل ما تم انجازه على مدى سنوات من تحضيرات ومحادثات سرية وأثمان مدفوعة ودمار وقتلى الخ..