معمر عطوي
اعتاد اللبنانيون في كل مناسبة أن يعايدوا بعضهم بعبارة «ينعاد عليكم»، خصوصاً الأعياد الدينية المسيحية والإسلامية في بلد أصبحت فيه المجاملات، ومعظمها نفاق ودجل، الصفة الرئيسية لـ «التعايش» بين الطوائف.
لعل رأس السنة الميلادية، وإن كانت ترمز الى ميلاد السيد المسيح، فهي العيد الديني والزمني الجامع بين الطوائف بحكم استخدام كافة اللبنانيين للتوقيت الميلادي في أعمالهم وشؤون حياتهم المختلفة. إذ أن المسلمين، وإن يدعو بعضهم إلى استخدام التقويم الهجري، يبرّرون قبولهم برأس السنة الميلادية من منطلق اعتراف القرآن بنبوة المسيح، وبالتالي يصبح الاحتفال بتاريخ ولادته شأناً دينياً إسلامياً أيضاً.
المفارقة أن عبارة «ينعاد عليك» تتكثف أكثر عند مناسبة دخول العام الجديد، بحكم هذا الاجماع على وطنيتها، حيث تتعلق بالسنة المالية ورواتب الموظفين ودوامات وعطل المدارس والجامعات وكل ما له علاقة بأمور المواطن وتفاصيل حياته.
هي المناسبة الرسمية العامة التي تجمع السني والشيعي والأرثوذكسي والكاثوليكي والعلماني والمُلحد حول طاولة خمر واحدة، وأمام راقصة واحدة وطبق طعام لبناني خاص لا دين له ولا مذهب.
لكن كلمة «ينعاد عليك» بالذات هي المشكلة، في ظل تراجع الأوضاع الأمنية والاقتصادية كانعكاس لأزمة سياسية- طائفية مُزمنة. إذ أن اعادة الأمور كما كانت ليست دعوة محمودة، وإن كان الداعي يقصد أن تُعاد السنة بمعنى التمني للآخر بالبقاء حياً ليشهد رأس السنة في العام المقبل.
فحين أتمنى للآخر أن تُعاد عليه السنة كما كانت بمعني أني اتمنى ان تبقى على حالها المزري، وفي اللغة العربية أوجه متعددة للعبارة الواحدة، قد تستخلص منها ما هو إيجابي وقد تظن بما هو سوء في دلالاتها.
في كل الأحوال، لن تكون مجاملة اللبناني للبناني بأن تُعاد عليه السنة كما كانت سوى تمنيات ببقاء الفساد والطائفية البغيضة، وسيادة منطق الميليشيات المرتدية ثياب الحكم والتي تقود البلد نحو الهاوية بسياساتها الدونكيشوتية التي تخدم لعبة الأمم ولا تدرّ على الشعب اللبناني سوى مزيد من شبان في ريعان الشباب يعودون من سوريا في أكفانهم وزيادة في أعداد العاطلين عن العمل والمجرمين والجيل السخيف الذي لا يعرف معنى الثقافة ولا المسؤوليات.
لن أقول للبنانيين سوى «انشالله ما تنعاد عليكم» حكومة حزبية تعمل وفق اجندات خارجية، او معارك مذهبية واحقاد طائفية تتفجر في الشارع والجامعات ودور العبادة او تفشي ظاهرة العقل الموضوع على الرف بحكم سيطرة رجال الدين على رعيتهم وتأثير أفيون الشعوب.
لا أعادها الله عليك ايها اللبناني إلاّ إذا ظهرت السنة المقبلة بحلة جديدة خالية من نحو 60 مليار دولار ديون خارجية وداخلية، وبطالة وسرقات وخطف الخ..
لا أعادها الله هذه السنة التي تشرّد خلالها نحو مليون سوري إلى لبنان وهاجر مثلهم من لبنان الى دول الخليج واستراليا وكندا.
لا أعادها الله لا هذه السنة ولا السنوات التي سبقتها إذا كانت ستبقى ليبيا في قبضة ميليشيات رجعية والصومال تحت سيطرة عصابات مافياوية واليمن تحت رحمة طائرات أميركية ومصر بأيدي جماعات إسلامية غبية وعسكر أكثر غباءً، والعراق اسيراً لحروب مذهبية، وسوريا بين نيران الشبيحة والداعشيين…
إذا كان العام الجديد على شاكلة العام الحالي والسابق «فانشالله ما ينعاد عليكم» لا في لبنان ولا في بلاد العرب.