- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

” موت غير معلن ”

Najat 2013_2نجاة شرف الدين

مما لا شك فيه أن عملية إغتيال الوزير السابق محمد شطح في بيروت قد أحدثت صدمة كبيرة على مستوى البلد وبكافة أطيافه وخاصة لدى فئات واسعة من اللبنانيين غير المصطفين عند أحد طرفي الثامن أو الرابع عشر من آذار ، كما شغلت الأوساط الإعلامية والسياسية في التحليل بالرسالة التي أراد المجرمون إيصالها بالتوقيت عبر الزمان والمكان ، كما من خلال إختيار الشخصية التي كانت تحظى بقبول لدى معظم الأطراف السياسية لما تتمتع به من رؤية هادئة لدقة الملفات وإرتباطاتها العربية والإقليمية والدولية ، كما لموقعه السياسي ودوره في التواصل ومحاولة إيجاد حلول تسووية تنقذ البلد من حالة الإنقسام التي يعيشها منذ سنوات طويلة .

ما حصل لمحمد شطح كان العديد من السياسيين قد حذروا منه ودعوا مرات عدة الى الحوار السياسي لحماية لبنان من التهديدات الأمنية ومن خطورة المرحلة وتداعيات الأزمة السورية على لبنان ، وقد كان وزير الداخلية مروان شربل واضحا في الإعلان عن معلومات لدى الجهات الأمنية بإمكانية حصول عمليات إغتيال أو تفجيرات وخلق توترات أمنية ، إلا أن إستمرار السجال السياسي وتطوره عبر رفع السقف الكلامي ، رغم الخطاب الداعي لتفادي الفتنة الداخلية ، يشير كل ذلك بشكل واضح الى أنه ورغم  الخسارة البالغة المتمثلة بغياب شخصية بمستوى الوزير شطح ، لن تستطيع ان تغير الأوضاع القائمة حاليا على الإستنزاف عبر عدم الإستقرار والتوتر من دون الإنفجار الكبير .
صحيح أن حالة الغضب التي تزامنت مع التشييع للشهيد شطح ومرافقه كانت عارمة ، وصحيح أن الكلام ألذي أطلق خلال وبعيد التشييع رفع السقف في إتجاه الحديث عن مرحلة جديدة  ، وهو ما أكد عليه  رئيس كتلة “المستقبل النيابية” الرئيس فؤاد السنيورة بقوله ” ما قبل اغتيال الوزير السابق الشهيد محمد شطح لن يكون بعده، مضيفاً أن قوى “14 آذار” قرّرت السير إلى مقاومة سلمية مدنية وديمقراطية وتحرير الوطن من احتلال السلاح غير الشرعي لتحمي سيادته وتصون استقلاله. إلا أن  رئيس “جبهة النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط عاد يمسك بالتوازن بين فريقي 8 و 14 آذار ويحاول أن يكون وسطياً بقوله ” ان على السعودية أن تتحاور مع ايران لتخفيف الاضرار على لبنان والاحتقان السني-الشيعي داعيا الى حكومة جامعة رغم فداحة خسارة محمد شطح  معتبرا أن المطلوب اليوم اغراق لبنان في الوحل المذهبي الشيعي – السني ويجب تجنب هذا الامر”، مشيراً الى ان “الحرب السورية لا تزال في بدايتها ويمكننا ان نخرج منها وان نقوم بتنظيم الخلاف لدرء المزيد من الخلاف واذا لم نستطع فنحن ذاهبون الى الخراب سوياً”.

في كل مرة يتعرض فيها لبنان الى هزات أمنية من إنفجارات وإغتيالات وتوترات ، تتصاعد التصاريح الداعية الى ضرورة الإلتقاء والحوار لحماية الوطن ، وفي كل مرة تتزايد الأحقاد والفوضى ويبرز أكثر فأكثر غياب دور مؤسسات الدولة وحضور الطوائف والغرائز ، ومع مرور الوقت وكثرة الأحداث الأمنية ، يغيب الشهيد لا بل الشهداء ليطل شهداء جدد الى واجهة الحلقة المفرغة التي يعيشها البلد منذ العام 2005 مع إستشهاد الرئيس رفيق الحريري ، وتتعمق الإنقسامات بين اللبنانيين اللذين لا يزالون يعتقدون بإمكانية بناء وطن غير طائفي ، كما كان يحلم به العديد ممن سقطوا شهداء الإغتيال السياسي  ، وتدخل عناصر جديدة على الصراع السياسي لتزيد من تعقيداته كما حصل مع دخول لبنان الى المشهد السوري .
لم يكن إستشهاد الدكتور شطح سوى خطوة في إتجاه إنكشاف مدى حالة الإنكار التي يعيشها اللبنانيون ، بأن  هذا الموت لم يكن لشطح أو غيره فقط ، بل هو لوطن بأكمله ، على الأقل بالشكل الذي يراه ويريده  كثير من اللبنانيين ، وطنا متعددا ثقافيا واجتماعيا ، وطنا علمانيا غير طائفي  ، خسر لبنان ويخسر موقعه ودوره شيئا فشيئا ،إلا أن أحدا لا يريد أن يعترف أو ان هناك تواطئا من الجميع بأن يبقى  هذا الموت غير معلن ..