- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الاستهلاك والسياسة والثروات

Bassam 2013نقطة على السطر
بسّام الطيارة
الشكوى من منظومة الاستهلاك الحديثة قائمة منذ تفتحت أعين المراقبين على الضرر الذي يلحقه نظام الاستهلاك الحديث بهيكلية المجتمع المدني وتأثيره على مرافق عدة من مرافق حياة الانسان.
بالطبع يتضرر ما يسمى بالتنمية المستدامة ويتسارع التدهور البيئي، ويفقد العمل قيمته الفعلية ويتراجع أمام سطحيات الخدمات وعلم الإعلان المبني على تطبيق الألسنية على علم نفس لـ«تدجين» المستهلك… لزيادة الاستهلاك وبالتالي زيادة أرباح التكتلات الصناعية والتجارية الكبرى أي كبار أصحاب الثروات الذين لا تتجاوز نسبتهم ١٠ في المئة من مجموع سكان العالم ويملكون ٨٢ في المئة من ثروة المعمورة بينما ٧٠ في المئة من سكان هذه المعمورة (المسحوقون) فلا يمتلكون أكثر من ٣ في المئة من تلك الثروة في حين أنهم يساهمون بنسبة ٩٤ في المئة في «صناعتها». أما بين المسحوقين والأثرياء أي ٢٠ في المئة من سكان المعمورة فهم يملكون الباقي أي ١٥ في المئة من تلك الثروة ويشكلون الطبقة «المتوسطة» التي تنهار رويدا رويداً منذ أزمتي ١٩٨٧ و٢٠٠٨.
ولكن هذه المقاربة وهذا الخلل يبدو «بسيطاً نسبياً» إذا توقف على مسائل ربحية، فـ«نفس الرأسمالية اليبرالية» بات معقوداً له لواء قيادة النفوس البشرية بشكل عام، إذ أثبت استطلاع حديث أن نسبة كبيرة من «المسحوقين» (٩٢ في المئة) يتمنون أن يكونوا في مصاف الأثرياء، ناهيك عن الطبقة المتوسطة التي تلهث مهرولة وراء قطار الثورة.
سؤال: ما الذي يمنع توزيعاً أكثر عدلاً لهذه الثروات، أو يسهل فتح أقنية توسيع شريحة الأغنياء كي لا تتكدس الثروات بشكل تراكمي في جيوبهم فقط (وهو شيء مناف لمبادئ الرأسمالية الليبرالية) وجعل السبيل إلى الثروات سباقاً مفتوحاً للأجدر وليس فقط للثري، ليزيد ثروته.
يلعب نظام الاستهلاك دوراً في هذه الإعاقة.
ولكن، يلعب السياسيون أيضاً دوراً كبيراً.
أولاً إن السياسيين هم في غالبيتهم ممن فشل في الوصول إلى ثروة كبيرة إلى ومن هنا تدللهم على عتبات كبار الأثرياء. توجد استثناءات تؤكد مثل هذه القاعدة مثل الشهيد رفيق الحريري، أو عائلة كندي أو رئيس الوزراء الياباني شينزو أبي. يوجد أيضاً العقائديون الوطنيون وهم قلة مثل الجنرال ديغول أو عبد الناصر أو شي غيفارا. الآخرون يسعون عبر مواقعهم السياسية لجني الثروات.
لذا نراهم على عتبات رغبات الأثرياء. فيفككون كل أدووات رقابة تصرف التكتلات الكبرى لتسهيل نظام استهلاك يزيد من ثروات الأثرياء ويزيد من استعباد المستهلكين.
ولكن هذا ذل قد يبدو «بسيطاً نسبياً» لو توقف فقط على تصرفات دونية لرجال السياسة طمعاً بعظمة الثراء. ولكنهم يذهبون أبعد من ذلك. يعلنون حروباً قاتلة تزيد من أرقام مبيعات الأسلحة وبالتالي من أرباح الأثرياء. يوجهون شعوبهم لمواجهة شعوباً أخرى بهدف تأجيج مشاعر يصفونها بالقومية فقط للتحضير لصراعات مقبلة تكون مربحة لأصحاب الثروات يستفيدون فقط من فتتاتها بشكل «سلطة» يتركها لهم الأثرياء كي يديرون أحوال العالم من خلف الستار.
مئات الآلاف لا بل ملايين من البشر يفنون وقوداً على مواقد صناعة الثروات، والسياسيون يبتسمون ويتمسكون بالسلطة والكرسي وهم إلى المال يتوقون.
هذه الدائرة المفرغة لا نهاية لها إلا بكسر نظام الاستهلاك ونظام استزلام المستهلكين للسياسيين المحترفين الذين لا يعملون إلا خدمة للذوي الثروات.