- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

لا سلم في جنيف

robertصعلوكيات

روبير بشعلاني

حول ما يجري في سوريا وحولها تتراوح التقديرات بين متفائل ومتفائل كثيراً. أغلبية الكتابات تضع التطورات الحاصلة في باب التحضير لمؤتمرجنيف-2 وتحسين المواقع. قد يكون الأمر صحيحاً لو اكتفينا بالمشهد السوري. لكن توسيع مجال الرؤيا إلى مجموع ما يجري على الساحة العربية يشفّ عن منظر آخر يقود إلى استنتاجات مختلفة جذريا.

فزيارة الرئيس الفرنسي إلى السعودية واضطراره إلى تقديم خدمات جلّى إلى العاهل السعودي أملا بالحصول على موقع اقتصادي وبعض العقود لا يمكن ان تذهب باتجاه التسوية القريبة. فرنسا تحتاج إلى كمية اوكسيجين فتحاول ان تحتال على شريكها الأميركي في افريقيا والشرق الأوسط. وهي لذلك تحتاج إلى المخاطرة وإلى دعم المشاريع المتطرفة والمجنونة لعلها تنتصر.

الأميركي، وخلافاً لما أُعلن، لا يعتزم الخروج من المنطقة كما يظن الواهمون. والدليل مناوراته المستمرة لإيجاد طرف عربي  مقبول يستطيع ان يتولى المهمات التي فشل التركي-القطري- الإخواني في  القيام بها. التصاريح الأميركية المتكررة حول خطورة التنظيمات التكفيرية وضرورة عدم تسليحها ينبغي ربما فهمها معكوسة لكي نستطيع أن نفهم المرام. المناورات الجارية حالياً في سوريا والهادفة إلى كره “داعش” أملا بتعويم طرف متطرف لكن  مقبول من “الرأي العام الدولي”، ما هي إلا مؤشرات واضحة على نية الأميركي عدم الاستسلام لا في سوريا ولا في المنطقة.

دعم الأميركي للحكومة العراقية في حربها الداعشية ما هو إلا تشجيع على الدخول في حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. تشجيع على الدخول في الربيع العربي الحقيقي بدون تجميل ولا تحسينات. الأميركي يريد المنطقة كاملة في حربه مع دول البريكس الصاعدة من اجل إجبار هذه الدول على استعمال فوائضها في تمويل الديون الأميركية حتى إشعار آخر, ومن أجل التحكم في كميات وطرق الإمداد بالمواد الأولية الاستراتيجية والمحروقات في رأسها.

خلق دول كسيحة في الشرق الاوسط لا يضير الأميركي في شيء إطلاقاً. بالعكس فالحروب الطائفية المفتتة تجعل هذه الدول أكثر خضوعا وحاجة لمن يديرها من الخارج. ومن هو الطرف الأكثر أهلية  من الأميركي حالياً للعب هذا الدور؟ نظرة إلى اليمن وليبيا والعراق كافية وأبلغ من الف شرح.

طبعاً قصة الحرية والديمقراطية انتهى أمرهما  وأمر استخدامهما في المعركة الأميركية-البريكسية. لم يعد أحد يشدد على هذا الموضوع – إلا بعض المثقفين المفلسين- بعد انكشاف الصراع الحقيقي وأدوار الأطراف المشكلة له. فلا السعودية تريد الحرية والديمقراطية ولا تركيا التي بينت عن احتقارها لهذه الديمقراطية في أول فرصة فساد انفجرت في وجهها. اميركا المريضة وجودياً  تستخدم ما تيسر من أدوات ممكنة في حربها على المنطقة. ولا توفر لا تكفيري ولا قاعدة ولا قائمة في سبيل الدفاع عن مصالحها وعن وجودها المهدد على المدى المتوسط.

لا التحالف مع السعودية التكفيرية يضير الأميركي  أو يحرجه ولا تسليح النصرة أو جبهة الإسلام يهدد سمعته النقيّة. إصرار السفير فورد على إسقاط النظام السوري لا يمكن وضعه في إطار المعركة الديمقراطية كما أن المناورات الجارية على الأرض السورية لتغيير اليافطة التي يعمل التكفيريون ،أدوات السعودية، تحتها لا يمكن فهمها بدون دور هذا الدبلوماسي العسكري المخضرم.

الأميركي يلعب المنطقة ومصالحه فيها استراتيجية. ولا يمكن أن يتخلى عنها بمجرد أن يخسر معركة في الحرب. لا يزال يمتلك الكثير من الأوراق في كمّه الزاخر. وإلا لماذا يرسل جنده الاسلاميين إلى روسيا للقيام بالتفجيرات هناك ؟ ولماذا يسمح للتركي أن يكذب ويكذب ويكذب حول تمويل وتسليح وتمرير الإسلاميين المتطرفين الديمقراطيين؟

وفيما يتلهي ما تبقى من العرب بالدساتير والإنتخابات والصراع على شبه السلطة تتحضر الأرض  للإنفجار الكبير الذي يجعل من وطننا العربي محرقة على مذبح الأميركي ومصالحه وبأيد عربية صرفة هذه المرة.

الأميركي يخطط للنهب ويقنع العرب  بضرورة الصراع فيما بينهم ديمقراطياً على دور ناطور النهب.