من المعروف أن مصطلح الحروب الباردة صفة غيرلائقة لما تنتجه هذه الحروب من معارك دموية شديدة السخونة، تقدّم الأبرياء قرابين على مذبح الأغبياء الذين ارتضوا أن يكونوا آداة تحقيق مصالح الكبار.
هي باردة بالنسبة الى القوى الكبرى التي تظل شعوبها وقادتها بمنأى عن لعبة القتل المباشر أو الموت، لكنها بالغة السخونة بالنسبة للقوى الصغرى التي تعمل على تنفيذ أوامر الكبار، فتضع شعوبها وعديدها وكل ممتلكاتها رهينة لهذه الحروب البشعة، حيث تتساوى الضحايا في مظلوميتها، ويتشابه القتلة في ظلمهم وطغيانهم.
القتلة والانتحاريون أغبياء، ومن يرسلهم أغبى منهم ومن يوجّه قادتهم من أجهزة استخبارية يعرف ما يُنفّذ، وهو نفسه قد لا يدرك مغزى هذا التنفيذ، الذي لا يعرف أسراره إلاّ الله وراسمو لعبة الأمم وكارتيلات النفط والسلاح.
ففيما تقبض طهران الدفعة الأولى (550 مليون دولار)من أموالها المجمّدة لدى الولايات المتحدة، كأول الغيث لسياسة انفتاح على “الشيطان الأكبر”، يسقط الأطفال شهداء في الهرمل على أيدي من ينفّذ من دون اعتراض.
وفي الوقت الذي تُظهِر فيه الشاشات عشرات الأطفال يحترقون ببراميل القذائف الجوية التي يلقيها الجيش العربي السوري “الباسل” على شعبه، ينتشي وزير الخارجية وليد المعلم بأن بشار الأسد باقٍ على كرسي العرش لا تزحزحه أصوات الثكالى ولا تعيد دماء الأبرياء ضميره الضائع بين موسكو وطهران وما بعدهما.
في القديم كانت الشعوب تعتقد بتقديم القرابين للآلهة، فيضحّون بأجمل فتاة أو طفل لديهم على مذبح آلهة هي من صنع خيال البشر ليس إلاّ، حتى النبي ابراهيم كان سيضحي بإبنه اسماعيل على مذبح الرب، لولا افتدائه بكبش، على حد ما جاء في القرآن والروايات الدينية.
اليوم يتم تقديم الأولاد والرجال والنساء والشيوخ جميعاً الى آلهة من نوع آخر، هم آلهة السياسة أو مديرو لعبة الأمم الذي لا يرتوون من دماء أطفال لبنان وفلسطين وسوريا ومصر واليمن وتونس وليبيا والسودان وباكستان وأفغانستان.
اليوم لدينا الكثير من الآلهة الذين يصدرون أوامرهم للأغبياء فيقتلون أنفسهم بإسم الدين، فلا يقبلون ان يموتوا وحيدين بل لا بد من قتل أكبر عدد من الناس، بحجة قيام دولة اسلامية تحتكم الى الشريعة الإلهية.
هذا ما حدث في الضاحية الجنوبية وطرابلس والهرمل، وما يحصل في سوريا. الأغبياء متشابهون في ذهنية القتل من دون مناقشة ولا تفكير، تحت تأثير “أفيون الشعب” الذي يروجه شيوخ نفط ووعاظ سلاطين يعيشون في قصور وثيرة وبرفاهية عالية.
لقد صادروا عقولهم لمصلحة آلهتهم فبات القتل لديهم مسوغاً شرعياً وقانونياً ووطنياً وقومياً، وحتى إنسانياً؛ ويا لهول المفارقة أن يكون القتل يتم لأسباب انسانية كما يبرّر البعض الذين يشاركون في تدمير سوريا دفاعاً عن شعب لبنان أو دفاعاً عن مقامات.
قوافل الضحايا والقرابين ليست الاّ فواتير يدفعها موظفون ومرابون ومقامرون لأسيادهم، في حروب يسميها الكبار باردة لأنهم لا يخوضونها مباشرة، فيما الحقيقة ان كل الحروب ساخنة ولاذعة وقاتلة للفقراء والأغبياء معاً. لا شماتة بالموت ولا مجال للجدل في السياسة أمام منظر القتلى والجرحى الذين لا ذنب لهم، بل فقط وقفة تأمل وسؤال واحد: بأي ذنب يُقتلون؟