نقطة على السطر
بسّام الطيارة
قرأت على «حائط» في موقع “فيسبوك” مقطعاً يبدأ كالتالي: كلّما قرأت: «وتقول مصادر فلان”.. توقّفت عن القراءة!.
عجباً لهذا الأمر. ولكنها ليست المرة الأولى التي يتناهى الى أذني مثل ذلك القول. في حلقات تجمع بين مثقفين وصحافيين نسمع هذه الجملة أو ما يشابهها. ولكن إذا تأملنا ملياً نرى أنها تصدر عن الكتاب: كتاب رأي وكتاب أدبيات وقليل من كتاب صحافيين. وإذا جاءت على لسان صحافي يتبين أنه «يعمل في الصحافة وراء مكتب» يحلل ويحرر.
يذكرني هذا القول بحادثة حصلت في باريس: كاتب وشاعر حصل على مهنة «مراسل» لصحيفة عربية. قلمه رشيق، واتقانه للغة الضاد جيد، وعلاقته برئيس التحرير في الصحيفة جيدة، ويعيش في باريس منذ سنوات. من هنا بدا له (ولصحيفته) أنه لا بد أن يلمع في المراسلة. مرت أسابيع والزميل يكتب، يتوجه إلى حيث الحدث، ويطالع الصحف المحلية، ويرتشف القهوة مع زملائه العرب وبعض الفرنسيين والأجانب ويجلب الخبر ليصيغه بلغة سيبويه.
وفي إحدى المرات يسأل زميلة له من باب التهكم: «الزملاء يكتبون قالت المصادر … وذكرت المصادر … ونقلاً عن المصادر إلخ… ما هذه المصادر؟» ويضحك. تلتفت إليه زميلته ظناً منها أنه يستهدفها (رغم أنه لم يكن يقرأ ما تكتبه) وتقول له بتحد: غداً الثلاثاء نلتقي أمام «الكي دورسيه» (وزارة الخارجية الفرنسية) لنحضر المؤتمر الصحافي الاسبوعي. لم يكن الزميل يدري أن وزارة الخارجية تستقبل الصحافيين مرتين في الاسبوع لتجيب على أسئلتهم. دخل الزميل وكأنه يدخل في عالم الخيال. رأى وسمع وطرح أكثر من سؤال. نظر يمنة ويسرة وشاهد زملاءه بعد المؤتمر كل يختلي بمسؤول ويتحدثون ويتهامسون. البعض ينتظر المسؤول الصحافي المتخصص بالمنطقة التي يغطيها ليذهبا إلى غداء مشترك. فهم الزميل بعد عدد من الزيارات معنى الحديث بصيغة الـ«off» أي أنه يمكن نشر المعلومة ولكن لا يجوز ذكر المصدر… وتعلم الزميل الفارق بين «مصدر مطلع ومصدر رفيع ومصدر سياسي».
في عودة إلى “فيسبوك” يجب أن يدرك المتابعون والمصفقون و«واضعو اللايكات» بأنه يوجد فارق كبير بين «كاتب رأي» يأخذ معلوماته من المتابعة اليومية للصحافة وقراءة الكتب والدراسات، وهذا عمل محترم جداً، وبين الصحافي المتابع والمتخصص في منطقة معينة وله في أركانها «مصادر» يتابعها ويبني معها علاقة شخصية معها تسمح له بمتابعة ما يدور وراء الكواليس، والكتابة ضمن ميزان أتقن مقاديره عبر الممارسة اليومية.
لا انتقاص لدور كاتب الرأي… ولكن أيضاً لا انتقاص لدور الصحافي أو المراسل المتابع خصوصاً عندما يسند أخباره إلى مصادر.