في آخر تصريحات الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، أكد أن أمام سوريا فرصة للتوقيع على برتوكول التعاون مع الجامعة العربية، وهذا يتوافق ضمناً مع ما أعلنته اللجنة الوزارية العربية بعد فرض العقوبات على سوريا من إبقاء باب الجامعة موارباً، بالقول إن التزام سوريا بالمبادرة العربية وتنفيذها في وقف عمليات القتل الجارية وسحب القوى العسكرية من المناطق السكنية واطلاق سراح المعتقلين والموقوفين، يمكن ان يوقف مسار تنفيذ العقوبات التي تقررت، وبالتالي فانه سيؤدي الى عودة العلاقات بين الجامعة العربية وسوريا الى طبيعتها، وخاصة لجهة استكمال الجهود العربية في معالجة الازمة القائمة في سوريا وايجاد حلول سياسية لها عبر بوابة مسعى الجامعة العربية للجمع بين السلطة والمعارضة والوصول الى خطة انقاذ.
واذا كانت الجامعة لم تغلق الباب نهائياً مع السلطات السورية، فان الاساس في هذا الموقف، كما جرى التعبير عنه، يكمن في حرص الحكومات العربية على ثلاثة اهداف رئيسية، اولها دفع سوريا الى الذهاب لمعالجة الازمة القائمة بمنطق وخطوات سياسية، وليس عبر الحل الامني ــ العسكري على نحو ما هو قائم حتى اللحظة. والثاني ابقاء معالجة الازمة في سوريا محصوراً في اطار الحل العربي، وعدم نقله الى مستوى الحل الدولي، وهو مستوى لا يستطيع العرب التأثير فيه، او ان تأثيرهم فيه سيكون محدوداً، ما سيفتح الباب على احتمالات كثيرة، لعل الابرز فيها اقرار وتنفيذ عقوبات ضد النظام في سوريا، بما فيها عقوبات يمكن ان تفرض تحت البند السابع، وهذا اخر الاهداف التي تسعى الجامعة اليها من خلال ترك الباب موارباً في علاقتها مع السلطات السورية، رغم فرض العقوبات.
غير ان اهمية موقف الجامعة مقترن بالاستجابة السورية. فاذا بادرت السلطات السورية الى تصحيح الوضع الذي اوصل الامور الى العقوبات، واساسه عدم الانخراط الجدي في تنفيذ المبادرة العربية، وسحب الملاحظات السورية المتصلة ببروتوكول المراقبين، او تقنين تلك الملاحظات بطريقة ايجابية وبناءة، فان ثمة فائدة عظمى من مواربة الباب بين الجامعة والحكومة السورية، بحيث توقف العقوبات، وتصير كأنها لم تكن، وسيوفر هذا التطور فرصة تدخل عربي افضل لمعالجة الازمة السورية من خلال دور تقوم به الجامعة على اكثر من صعيد.
اما اذا اصرت الحكومة السورية على موقفها في التعامل مع المبادرة العربية بالتعطيل من خلال عدم الموافقة على بروتوكول المراقبين والتصلب في موضوع الملاحظات، فإن ذلك سيجعل موقف الجامعة في عدم اغلاق الباب امام سوريا موقفاً لا معنى له ولا فائدة منه، وبالتالي فانه سيتم اغلاق الباب بصورة تلقائية، حيث لا مجال لتقارب او تفاهم بين موقفي الحكومة السورية والجامعة المتناقضين، لان كل منهما يسير في اتجاه مختلف؛ السلطات السورية مستمرة في حلها الامني ـ العسكري، والجامعة ترغب في وقف العنف والتوجه نحو حل سياسي.
ان الاثر المباشر لاغلاق بوابة التواصل والتفاهم بين الجامعة والحكومة السورية، سيكون رفع الغطاء العربي عن سوريا، بل ودفع الملف السوري الى الامم المتحدة، وهو امر إذا تم من شأنه تغيير البيئة الدولية في الازمة السورية. وفي هذا السياق فان الكتلة المناهضة للسياسة السورية، ستصبح اكثر قوة وتماسكاً، وهو ما سينعكس ايجاباً على موقعها في مجلس الامن الدولي ومطالبها بمعاقبة الحكومة السورية، ما سيضعف موقف مناصري الموقف السوري والمتحفظين في موضوع فرض العقوبات عليه وخاصة روسيا والصين، اللتين ستفقدان أي مبررات للدفاع عن مواقف السلطات السورية، ولا سيما في رفضها تنفيذ المبادرة العربية، التي نصح اصدقاء دمشق في المحيط الاقليمي والدولي الحكومة السورية بقبولها. وقد نوه بعضهم بانهم لن يستطيعوا الدفاع عن الموقف السوري في مجلس الامن الدولي، ما يعني ان الحكومة السورية قد تواجه تحديات لا تحسد عليها. اذ اضافة الى ما تتركه الازمة من تداعيات داخلية، فسيكون على دمشق مواجهة عقوبات متزايدة من جانب المحيط الاقليمي والدولي بحيث تتجاوز العقوبات الغربية الحالية مضافاً اليها العقوبات العربية، وما يمكن ان يفرض لاحقاً، وهو أمر يؤدي إذا استمرت ذات السياسة السورية، إلى فرض عقوبات من مجلس الأمن الدولي، وسينتهي الأمر إلى عقوبات تحت البند السابع من الميثاق الذي يفرض التنفيذ بالقوة.
خلاصة القول، إن الحكومة السورية ما زالت تملك فرصة – ولو ضعيفة- لتصحيح مسار علاقاتها العربية عبر تنفيذ المبادرة، وبالتالي دفع البلدان العربية لوقف عقوباتها التي تم فرضها مؤخراً، بدل الذهاب في مسار التدويل وما يمكن أن يجره على سوريا من مشاكل سوف تصيب النظام والشعب والكيان ولو بنسب متفاوتة.