- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

خليل… وحبّ الصحراء

1الجزائر – نصيرة بلامين  (خاص)

مرات عديدة وأنا أروح وأجيء في شارع ديدوش مراد بالجزائر، يسترعى انتباهي معرض خليل. منذ اكتشافي لهذا المعرض خطواتي تأبى إلاّ أن تتوقف طويلا وترفض المضي بعيداً عنه دون التسلل إلى الدّاخل وإلقاء نظرة فيه.

Lui

خليل الفنان: الاهتمام بالغير على أساس مبادئ إنسانية

أدخل، السيد خليل يستقبلني بحفاوة، هذا السيد ينبوع حنان ورقّة ينفث فيك نوعا من الصفاء وروح الأمان، إنّه يشع بديناميكية خارقة ناهيك عن معرضه الحرفي المدهش الذّي يأخذك بعيدا عن قلب العاصمة الجزائرية ليحط بك في أحد ربوع الصحراء الكبرى الجزائرية. وأنا أدور داخل المعرض انتابني شعور وكأنّ ذرات حبيبات الرّمل تداعب وجنتاي وتلمس وجهي. المعرض هو نتاج عمل يدوي، كلّ شيء متواجد فيه هو من صنع حرفي: المكتب، المقاعد المربّعة، الأرضية، الحائط، الصور… كلّ شيء ينبعث منه شعلة من العبقرية اليدوية صنعتها أنامل السّيد خليل.

فمنذ 51 سنة لا يزال السّيد خليل يخترع الصّور، لقد ترعرع منذ نعومة أظافره في رحاب “الصورة”، وهو ابن ورقلة، تمكّن من إبداع تحفة في المجال التصويري، إنّها في حقيقة الأمر “ثورة ثقافية حقيقية”، بل عمل نبيل والحديث عنه يطول ويتعدى آلاف السّطور.

كيف جاءت هذه التّحفة؟ وما يربطها مع الصّورة؟

السيد خليل يقول: “الأمر لا يتعلّق بالحديث عن تاريخ الصورة بل عن تاريخ الغير، الاهتمام بالغير على أساس مبادئ إنسانية لا لأغراض مادية. فجمهوري المحلي يتعدى 8 في المائة من المهتمين بعملي”. ويبدو أنّ الفنان ليس عليه أن يبرهن شيئا فالتحفة في حدّ ذاتها هي برهان تعبيري وعلامة اعتراف شرفي. ويضيف: “كل مشاعري أذيعها من خلال صوري إنّه عمل يقلب رأسا على عقب البيئة، أنا أحاول إثارة الطبيعة وكأنّي بهذا التّصرف أقوم بتحريك الرّمال وأجعلها تتبعثر هنا وهناك”.

0نوع من الحنين مسّني ونظراتي تنتقل من صورة لأخرى، يقول السّيد خليل:

“أردت استنطاق صوري، أكان مع الشيء المصوّر أو الشّخص المصوّر، إنّها طريقة لرؤية الآخر كما وأنّك التقيت بروح شقيقة، دون كلام، فغياب الكلمات يجعلك تهتم بالجسد المتواجد وينثر حولك نوعا من الحب وينقل ذهنك بعيدا. لقد ترعرت في هذا الوسط الثقافي، فأنا ابن الصحراء أستعمل سيادتي الفنية لأبدع. بالنسبة لي “الثورة” هي مواصلة الإبداع وإيقاظ شرف تاريخ بلدي”، ويلحّ بقوله: “الجزائر ليست متخلفة ولا منحطة بل إنّ الذهنية الاجتماعية هي الفاسدة لأنّها أصبحت تهتم كثيرا بالمادة والمعدة حاشا بعض الشرفاء الذّين لا زالوا يعتقدون بمبادئ الحرية”.

ما هو مثل الفنان؟ “مثله شامل، إنّه أسلوبه، طريقة تعبيره للصورة، عبقريته في إنشاء الصورة وتجسيدها. هو أن تكون ممثلا شرفيا لبلدك”. استيعاب تاريخ الجانوب: “من خلال جاذبية وحساسية طبيعية، إنّه حبّ الحياة، أن تشكر الحياة لأنّها تجعلك مخلوقا حيا تختلجها مشاعر عظيمة، إنّها الصورة التي تهبك قطرات من الحرية”.

وماذا تهب للإنسانية؟ “إدراكي أولا للطبيعة، أن أكون ممزوجا معها هذا هو المعنى الحقيقي للديمقراطية بالنسبة لي”. لقد استطاع هذا الفنان الجزائري التعبير عن أعماله الفنية التي تعدّ حقا فخرا للأمة.3

“أحسن شيء هو ذلك الكفاح لتحرير الإنسان، لابدّ من معرفة ماضيه من خلال مبادئ الكرامة وليس من خلال التقهقر والسلبية، إنّها ديناميكية نحو الحبّ ولذا علينا أن لا نقع في فخّ الذّل، وحتّى وإن اقتلعت شجرة عليك أن تعرف كيف تعيد غرسها”.

“حبيبات الرّمل لا تقنعني، أريد أن أحافظ على الرّمل لكنّي أرفض التصحر المتتابع لأنّه مهلك”.

4وأيّ مجال تترك للحرية؟ “الحرية تتمثل في نجاحك لإبداع تحفة، إنّها صلة حميمية مع ذهنك، الحرية هو أن أكتشف نفسي من خلال الصّور ومن خلال الشيء أو الشخص الذي قمت بتصوريه، الحرية هو جمال الرّوح، الحرية هي مبادئ الحبّ النبيلة التّي تتأصل جذورها في روحك، الحرية هو حبّ شعبك، شعبك الذّي يحررك ويستقبلك. الحرية هي الصحراء، والتي تبتدئ بصورة والدتي، محميتي الأولى. إنّها صورة المرأة الصحراوية أمام خيمتها وحولها عنيزات، الحرية هي صورة رجال الطوارق، سادة الصحراء، الحرية هو الوعي، الحرية تجسد أرواحا متحرّرة”.

المعرض لا يقوم فقط على تحفة فنية بل يجسد صورة عن شغف للحرية، إنّه ذات الشّغف الذّي يعطي عنوانه للمعرض.