- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

” الأقاليم اللبنانية ”

Najat 2013_2نجاة شرف الدين
في خطوة لافتة في توقيتها زمانا ومكانا ، وفيما كان العالم منشغلا باجتماعات جنيف السورية في مرحلتها الثانية ، وفيما كانت الألعاب الأولمبية تجري في سوتشي وسط إحتفالية أرادها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إستفتاء مكلفا لقوته وتحديا للتهديدات الإرهابية ،وفيما كان لبنان يضيع فرصة اللقاء الداخلي من خلال حكومة جامعة كان يمكن ان تشكل حدا أدنى لمواجهة الهجمات الإرهابية ، وبكثير من الهدوء ،  مر خبر إقرار اللجنة التي يترأسها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ، المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني ، تقسيم اليمن الى ستة أقاليم ، إثنان في الجنوب وأربعة في الشمال تحت لواء دولة إتحادية جديدة. هذا القرار الذي أتى بتوافق تام بين المتحاورين وقد راعى التقسيم،  بحسب المعلومات الأولية التي تناقلتها وسائل الإعلام،  عوامل الترابط الجغرافي والتجانس والتقارب والعلاقات الإجتماعية والقدرات الإقتصادية كما تحتفظ صنعاء وعدن  بخصوصيتهما السياسية والإقتصادية. الدستور اليمني المقبل سينص على التقسيم الجديد وسيجري الإستفتاء عليه قبل تنظيم الإنتخابات الرئاسية والتشريعية العامة.
ربما تشكل هذه الخطوة اليمنية تطورا جديدا في المشهد السياسي ، وكان يمكن أن يكون الخبر عاديا لو أن المنطقة تعيش ظروفا طبيعية ، إلا أن هذا التوافق جاء في لحظة تكرست فيها الأقاليم الثلاث لدولة العراق وتصاعد الحديث عن خريطة جديدة لسوريا بعد الثورة وما يمكن ان تشكله من أقاليم تبعا لنتائج الصراع الدائر ، أما في لبنان الذي ترتفع فيه لغة الفدراليات في كل مرة تشتد الأزمة بين أبناءه ، فإن الأجواء تشير الى إستمرار حال الفوضى في ظل توتر أمني نتيجة الإنفجارات المتنقلة وإنسداد الأفق السياسي المرتبط بنتائج مؤتمر جنيف السوري ، وفي الوقت الضائع والمستقطع ، تبرز دعوات لا سيما من الجانب المسيحي وعلى رأسه البطريركية المارونية في وقت تعيش الطوائف الإسلامية توترا ينذر بالأسوأ من خلال الإستقطاب الحاد الذي يهدد بالتصادم على خلفية الأزمة السورية ، فجاءت وثيقة بكركي بمثابة إنذار للجميع في الداخل اللبناني بأن الأمور تتجه نحو أوضاع كارثية إذا لم يتم تدارك الوضع من خلال التمسك بالميثاق الوطني . الوثيقة التي أجمعت مختلف الأطراف على الإشادة بمضمونها حول الوضع في لبنان والمنطقة ،  دعت الى العودة الى جوهر الميثاق والإلتزام به والتمسك بأبعاد صيغة ” لا شرق ولا غرب ” مؤكدة ان المشروع اللبناني يقوم على فكرة الحياد الايجابي، المرتكز على قوته الدفاعية بدعم الجيش وسائر القوى الأمنية، والملتزم قضايا الأسرة العربية، وبخاصة القضية الفلسطينية، وتلك المتعلقة بالعدالة. وهي تؤكد على تحييد لبنان عن الصراعات بين المحاور الإقليمية والدولية.وترى البطريركية ان الحياد من انجح الطرق للحفاظ على التعددية في البلدان المركبة كما اظهرت تجارب التاريخ، وهدفه الحفاظ على الاستقرار ومنع انعكاس الحروب والخلافات الاقليمية والدولية على السلم الاهلي الداخلي”.
البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إعتبر أن الغاية من المذكرة ” نقل حقيقة أمورنا الوطنية لجميع المواطنين وللرأي العام العربي والدولي، بهدف النهوض بلبنان، في عهد رئيس جديد للجمهورية ينتخب في موعده الدستوري، والتحضير للاحتفال بالمئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير”.
هاجس الخوف المسيحي بدأت بعض الأطراف تربطه أيضا بالمكتسبات وهو ما ظهر مؤخراً من خلال الجدل حول الحكومة والمداورة في الحقائب الوزارية التي تحولت الى خطر وجودي على المجتمع المسيحي ورفض عزل مكون أساسي من مكونات المجتمع اللبناني .
التحذير الذي أطلقته بكركي خوفا على لبنان ومؤسساته الدستورية في ظل ما تشهده المنطقة من هجرة وتهجير مسيحي نتيجة الصراع الدائر في العراق مرورا بسوريا وصولا الى لبنان وقبلها فلسطين ، يعكس خوفا أيضا على الكيان اللبناني في ظل بروز المشاريع التقسيمية في كل مرة يتحول فيها الصراع من سياسي الى أمني ، فإذا كانت اليمن قد عادت الى صيغة الشمال والجنوب وقسمت الى ستة أقاليم ، فكم من الأقاليم سيتم رسمها في  خارطة لبنان الجديد ؟