- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

Trash إضاءة سويدية لأطفال لبنان… وللكبار أيضاً

trashبيروت ــ معمر عطوي

للوهلة الأولى وأنت ترتاد المسرح مع ابنتك الصغيرة، مثلاً، تظن أنك ذاهب الى مسرح يعتمد على الإضحاك والرموز الحيوانية والأغاني الوعظية لتقديم فقرة تسلية لحديثي السن. لكن هذه المرة وبينما أنت جالس الى جانب طفلتك تحسب الوقت الذي أنت مضطر لتحمّله من أجل احساسها بالسعادة والشعور بأنها ليست وحدها في هذا العالم، يبدأ العرض الآخاذ، لتكتشف أنها ليست لعبة للصغار وإنما هي عمل مسرحي تثقيفي مسؤول يعتمد الموسيقى والتعبير لايصال رسالته.

هذا هو المناخ الذي خلقته مسرحية Trash لفرقة Memory Wax السويدية على خشبة مسرح دوار الشمس في بيروت- الطيونة، هذا الاسبوع والذي استمر أربعة أيام.

ثلاثة ممثلين، شابان وفتاة، هم يوهانا يوناسون، وكارل ليندغفيست، وسوني ليندبك، وبعض العلب الكرتونية التي ترمز الى ثقافة الاستهلاك، وكمية كبيرة من القمامة وأكياس بلاستيكية، وموسيقى وبعض الإضاءة. هذا كل ما أتت به الفرقة السويدية الى أطفال لبنان في قالب سينوغرافي متواضع، لكنه أدى هدفه بامتياز.

صاحبا الفكرة ومصمما الكيريوغرافيا، يوهانا يوناسون وميغيل أزكيو، ربما كانا على دراية بالذهنية اللبنانية التي لم تصل بعد الى مرحلة الاقتناع، بأن تحدي المناخ والبيئة هو التحدي الأبرز في القرن الواحد والعشرين، بل هي ذهنية لا تزال تظن أن الغرب المُرفّه والراقي لم يعد لديه من مشاكل سوى البيئة والتدخين في الأماكن العامة وما الى ذلك.

العرض الراقص كان بالفعل عرضاً غير تقليدي كما يشرح دليل المسرحية، فهو مخصص للجمهور بغض النظر عما إذا كانوا أطفالاً أو كباراً. ومن خلال تفاعل معظم الأطفال الحاضرين مع حركة الممثلين، تبين أن الطفل اللبناني قادر على فهم التحديات التي تواجهه في الحاضر والمستقبل، فهو يعرف أن التدخين مضرّ وأن رمي الزبالة في الشارع عادة سيئة وأن كل ما يقوم به الكبار أمامه من تلويث للبيئة والطبيعة وإضرار بالمناخ، هو الذي يلعب الدور في حرف مسار هذه الذهنية اللطيفة النظيفة التي تحتاج الى منزل بيئي وعائلة بيئية. أطفالنا يحتاجون الى دخول منزل لا يجدون فيه الأخ الأكبر قليلاً أو الأخت المراهقة ينفث/ تنفث دخان النرجيلة في فضاء الغرفة بمباركة الوالدين والجيران والأصدقاء. هم يحتاجون لرؤية والدهم يحتفظ بالأوراق في جيبه ريثما يصل الى أول مستوعب نفايات، بدلاً من القائها في الشارع. لهذا كان لا بد لجمهور لبنان وخصوصاً الأطفال منهم أن يشاهدوا عملاً من الشمال يبيّن لهم حجم التحدي المُقبل.

فالعمل يتمحور حول الإبداع وإعادة تدوير النفايات التي لا زالت بعيدة عن ثقافتنا ومجتمعنا. هو عمل تعبيري راقص يحفّز الخيال على التماهي مع مشاهد راقصة تروي قصة شاعرية عن البيئة وكيفية تحوّل الإنسان الذي لا يهتم بنظافتها الى جزء من جبل القمامة المُنتصب وسط المدينة. ولعل جمهور لبنان الذي يشاهد في كل مدينة من مدنه جبلاً من النفايات، قادر على ادراك حجم الضرر الذي تسببه هذه القمامة، وربما كان الصغار أكثر حرصاً على الكبار في الاهتمام بهذا الموضوع، خصوصاً ان أسئلة بعضهم الى الممثلين بعد العرض كانت تنم عن وعي كبير وفهم واضح لحجم المشكلة. لكن في ظل ذهنية سائدة تتحكم بعقول الكبار اللا مُبالية، قد لا يستمر الأطفال في تبني هذه الذهنية النقيّة وهنا بيت القصيد.