بيروت ــ معمر عطوي
مهما تحدثنا عن الشاعر اللبناني الكبير أنسي الحاج، فلن نفيه حقه، لأن رائد القصيدة النثرية في لبنان كان قد جمع المجد من جميع أطرافه، فلم نعد نعرف ما إذا كنا نخاطب شاعراً أو كاتباً صحافياً أم فيلسوفاً.
لقد رحل مستشار هيئة التحرير في جريدة «الأخبار» عن عمر يناهز 77 عاماً، بعد مسيرة طويلة بدأت من مدينة جزين، مسقط رأسه في جنوب لبنان، عام 1937 وانتهت في منطقة الأشرفية في بيروت في 18 شباط/ فبراير 2014 حيث كان يقيم على بعد كيلومترات من جريدة «الأخبار» في منطقة فردان، والتي تسلّم فيها منصبه منذ إعادة إصدارها عام 2006.
شاعر الحداثة، نجل الصحافي المخضرم والمترجم لويس الحاج، تجاوز والده الذي كان أحد أعلام الصحافة اللبنانية (رئيس تحرير جريدة النهار)، بأن جمع بين الشعر والصحافة، فصحّت به مقولة «صاحب الصنعتين».
وللعلم فإن الراحل الكبير وقبل أن يشتهر كصحافي في جريدة «النهار»، بدأ حياته الأدبية مع القصص القصيرة والقصائد التي كان ينشرها في المجلاّت الأدبية منذ كان في السابعة عشرة من عمره.
وفي عامه التاسع عشر بدأ عمله كصحافي في جريدة «الحياة» ثم «النهار» قبل أن ينتهي به المطاف في الأخبار، حيث واصل كتابة «خواتم-3»، لتكن خواتيمه مع المرض العضال قبل أن ينتهي من كتبتها.
في «النهار» التي رأس تحريرها بين عامي 1992 و2003. وبحكم اهتماماته الأدبية، كان جلّ عمله في البداية منصباً على المواد الأدبية.
وبدأت ملامح النبوغ الشاعري تظهر على الفتى منذ كان في العشرين من عمره، إذ ساهم مع الشاعرين يوسف الخال وأدونيس في تأسيس مجلة «شعر»، عام 1957، ثم أصدر ديوانه الأول «لن» عام 1960، ليكون أول ديوان من شعر الحداثة من نوعه في القرن العشرين.
وفي العام 1964 أصدر «الملحق» الثقافي الأسبوعي عن «النهار»، واستمر حتى 1974. وكان الى جانب عمله في النهار يرأس تحرير مجلة «الحسناء» (1966) و«النهار العربي والدولي».
ولعله كان مقلّاً في مؤلفاته الشعرية التي توقفت عام 1994 مع «الوليمة»، إذ بدأ النشر بديوان «لن» عام 1960
و «الرأس المقطوع»عام1963، مروراً بـ «ماضي الأيام الآتية» عام 1965، و «ماذا صنعت بالذهب، ماذا فعلت بالوردة؟» عام 1970. ولعل أشهر دواوينها «الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع» عام 1975، التي تم تحويلها الى آداء مسرحي منذ عامين.
للحاج مؤلفات نثرية منها «كلمات كلمات كلمات»، ثلاثة أجزاء، وهي عبارة عن مقالات صدرت عام 1978. و«خواتم»، بجزئيها الأول والثاني عامي (1991 و1997).
وكتاب بالفرنسية بعنوان « الأبد الطيّار» صدر عن دار «أكت سود» في باريس عام 1997.
إضافة الى أنطولوجيا «الحب والذئب الحب وغيري» الذي صدر بالألمانية مع الأصول العربية في برلين عام 1998.
أما أبرز ترجماته فكانت تعريب أكثر من عشر مسرحيات لشكسبير ويونيسكو ودورنمات وكامو وبريشت. والتي تحولت الى خشبة المسرح، مع مخرجين كبار على غرار نضال الأشقر وروجيه عساف وشكيب خوري وبرج فازليان.
في المقابل، تُرجمت مختارات من قصائده إلى الفرنسية والإنكليزية والألمانية والبرتغالية والأرمنية والفنلندية.
الشاعر، الذي تزوج من ليلى ضو عام 1957، ورُزق منها بالشاعرة ندى ولويس، تميّز بتواضعه وعلمه الغزيز وثقافته المحيطة بالسياسة والفلسفة والتاريخ والأدب والدين. فكان بالفعل جامعاً للمجد من جميع أطرافه.
لم يكن انسي الحاج عقائدياً، ولا آيديولوجياً. كان معرفياً ابستمولوجياً بامتياز؛ يسمع الآخر مهما كانت معلوماته ضئيلة، يفتح صدره لصحافيين مبتدئين، موجهاً بلا تعالي، ناصحاً بلا تكبّر، مصححاً بلا عنجهيّة.
كان مكتبه في جريدة «الأخبار» دائماً مفتوحاً أمام الزملاء والأصدقاء والمعجبين، فلم يكن يردّ ضيفاً ولا طالب تعارف.
أهم ما في الشاعر الراحل، تلك الابتسامة التي تُظهر إنسانيته وعلاقته العميقة بالحب والجمال، فكان في حياته كما كتابته شفافاً بلا مراوغة، واضحاً بلا مجاملة، يكتب دائماً بمحبة ويعالج خلافاته بتسامح. هو بالفعل شاعر الحب الذي أسس لمدرسة اخترقت ذهنيات البغض والحقد في لبنان، البلد الذي كان يرفض مغادرته رغم كل الاغراءات.