- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

حوار “الصبابيط” الكاشف

زاوية حادّة
حسام كنفاني
“صباطي أشرف منك”، عبارة لم ترد في خلاف شوارعي في أحد احياء بيروت، بل تحت قبّة البرلمان اللبناني، وخلال سجال بين نائبين من المفترض أن يكونا منتخبين لتقديم قدوة حوارية للجماهير المحتقنة خارج الندوة البرلمانية. “حوار الصبابيط” بين النائبين نواف الموسوي وسامي الجميل قد يمثّل صورة مصغرة لما هو عليه الحال اللبناني الهامد مؤقتاً بانتظار جلاء أوضاع المحيط الملتهب من إيران إلى سوريا.
هذا “الحوار” مؤشّر إلى النار المستعرة تحت رماد الوضع الهامد القابل للانفجار في أي لحظة، أو عندما تنضج المعطيات لذلك. فبغض النظر عن التعبير الذي صدر عن النائب نواف الموسوي، والذي عاد واعتذر عنه في وقت لاحق، إلا أن موضوع السجال والخلاف يبيّن الرؤيتين السياسيتين في البلاد، والانفصام الكامل القائم بينهما. انفصام عابر للمستوى الفكري، ليصل إلى النطاق الجغرافي ليعيد إلى الأذهان الوضع الذي كان قائماً إبان الحرب الأهلية، وتقسيم بيروت بين منطقتين شرقيّة وغربية، ولبنان ككل إلى مناطق لهذا الطرف وأخرى للطرف الآخر.
الفارق بين الماضي والحاضر بسيط جداً، فالتقسيم الذي كان معلناً في السابق هو اليوم مكتوماً مع الاحتفاظ بعناصر الماضي كافة. الحوار بين الموسوي والجميّل، وبعيداً عن لغة “الصبابيط”، أشار إلى أن “ممثلَي الأمة” لم يتجاوزا التاريخ بعد، حالهما كحال الجماهير المصطفّة خلف هذين النائبين وفريقيهما السياسيين، رغم أن الجميّل يعبّر عن الموقف الأقلّ تطرّفاً في الجانب المسيحي، والموسوي يمثّل الطرف “الأكثر عقلانية” في الطرف المسلم عموماً، والشيعي خصوصاً.
السجال كان عنوان النقاش طوال يوم الأربعاء على صفحات الفايسبوك. نقاش حمل كمّاً كبيراً من الكوميديا السوداء للوضع السياسي اللبناني “المشمول برعاية باتا (ماركة أحذية)”. لكن مثل هذه الكوميديا تخفي خلفها تراجيديا طويلة الأمد لوضع لبناني على درجة كبيرة من التعقيد. وضع قادر بسهولة على استيلاد مناخات الحرب الأهلية ومصطلحاتها وتقسيماتها. “حوار الصابيط” كان مسلّياً في لحظته الأولى، حتى لبعض النواب الذين أخذوا يتندرون على اشتباك زميليهم، غير أن اللحظة التالية كاشفة لواقع سوداوي يؤشّر إلى أن العيش المشترك، أو الأصح التعايش المشترك، ليس إلا كذبة اقتربت صلاحيتها من الانتهاء.