- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

النقاش إعلامي والقرار سياسي

Najat 2013_2نجاة شرف الدين

على مدى يومين ناقش الإعلاميون والباحثون المشاركون في مؤتمر ” دور الإعلام في تعزيز ثقافة الحوار بين الثقافات ” والذي عقد في الرباط ( 20-21 شباط  )،  برعاية منظمة اليونيسكو ومركز الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار ، واقع الإعلام العربي في ظل المتغيرات الحاصلة وإمكانية أن يشكل جسرا للتواصل والحوار لا سيما في المجتمعات المتعددة الثقافات . مما لا شك فيه أن النقاش ، وبغض النظر عن النتائج المباشرة ، كان مهما في طروحاته المتعددة والمختلفة في آن ، كون المشاركين من مختلف الدول العربية ، وبطبيعة الحال يختلف الهامش المتاح في تلك الدول على مستوى ممارسة حرية الإعلام تبعا للقوانين التي تحكم في هذا البلد أو ذاك ، إلا أن الإشكالية ظهرت من خلال عدم الحصول على إجابة على السؤال الأساس وهو موضوع الحوار بين الثقافات ، خاصة في ظل ما تمر به المنطقة من مخاض سياسي وأمني وعسكري وإقتصادي ، لم يصل بعد الى صورته النهائية التي يمكن أن تشكل نموذجا يواكبه قراءة في دور الإعلام .
أكثر من سبعمئة محطة تلفزيونية فضائية وأكثر من خمسمئة صحيفة يومية ، عدا عن الصحف الأسبوعية الدورية والمتخصصة ، إضافة الى الفضاء الإفتراضي عبر المواقع الإلكترونية والمدونات التي تجاوزت النصف مليون مدونة وشبكات التواصل الإجتماعي من فيسبوك وتويتر وغيرها ، والعالم العربي لا يزال يضيق بمساحاته الحوارية ويعيش غربة داخل مجتمعاته . ” نحن نعيش عصر نهاية الإعلام ” قالها أحد المشاركين تعبيرا عن استياءه مما وصل إليه الإعلام بما يعتبره تراجعا في مستوى الأداء والحوار والتفاعل ، عبر تركيزه على الشكل من دون المضمون ، والبعد عن العمق في النقاش لا سيما في القضايا التي تهم الناس وتجعلهم أقرب إلى فكرة ” المواطنة ” مما الى فكرة ” العشيرة ” ، وتحول الإعلام الى متاريس في المواجهة السياسية الدائرة ليصطف بدوره ليوجه سلاحه باتجاه الطرف الآخر ، وهنا تبرز إشكالية الدعم المادي لوسائل الإعلام لتمثل الجهات الداعمة في طروحاتها وأداء ها .
هذا الكلام الذي أضيف إليه طرح أحد المشاركين إشكالية أخرى تتعلق بمسألة دور الإعلام ورسالته فقال ” لماذا الإعلام رسالة ؟ من الذي حدد ذلك ؟ ولماذا التقديس لهذه المهنة وجعلها في مصاف الرسائل الإلهية ؟ ” ، أثار مناقشات واسعة من قبل المشاركين الذين حاولوا إبعاد الإعلام عن موقع  الإصطفاف من دون ان ينجحوا بتحييده  نتيجة الأحداث الأخيرة ودخوله طرفا في الصراعات الطائفية من خلال التحريض على العنف والفتن الطائفية ، تبعا لمصدر التمويل مما أفقده الهالة التي أعطيت له كونه يشكل السلطة الرابعة في الدول الديمقراطية من خلال ممارسته لدوره في المحاسبة والمراقبة .
مما لا شك فيه أن المفاهيم الإعلامية تختلف بين الدول العربية كل بحسب قوانينه التي تسمح بممارسة حرية الإعلام  ، ومما لا شك فيه أيضا أن النقاش يختلف بين المشاركين تبعا لما تعيشه هذه الدول في بلدانهم من تغييرات تتناسب مع ما طرأ نتيجة ما سمي ” الربيع العربي” وإنعكس بدوره على العمل الإعلامي الذي كان قد بدأ ثورته مع بروز وسائل التواصل  الجديدة  ألتي  غيرت مفهوم العمل الإعلامي  وأدخلت الصحافة والإعلام في عصر جديد يحتاج الى فترة طويلة من البحث قبل تحديد نتائج هذا المخاض وترجمته بأشكال  تتناسب وعملية التغيير .
ربما من الصعب إيجاد الوسائل الكفيلة بإحداث تغيير كبير في دور الإعلام الذي تتحكم به  عوامل مادية إضافة الى السلطة السياسية ، وربما بعض التوصيات التي تنتج عن مؤتمرات ومبادرات على مستوى منظمات وهيئات وحتى أفرادا تكون محدودة النتائج ، إلا أن مجرد إنعقاد هذه الندوات والمؤتمرات وطرح المشاكل والصعوبات على المستوى العربي ، يشكل نواة لعمل يتحول مع الوقت الى أداة ضاغطة على السلطة السياسية التي وحدها تستطيع شرعنة التغيير وتحوله من نقاش إعلامي نظري الى قرار سياسي عملي تضمنه القوانين …