- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

أوكرانيا الذهبية وسوريا الخشبية

Najat 2013_2نجاة شرف الدين

خطفت الأحداث المتسارعة في أوكرانيا الأضواء إعلاميا واحتلت أخبار هذا البلد حيزا واسعا في كافة وسائل الإعلام ، وتحول الإهتمام دوليا باتجاه المنطقة الأوراسية ، كما تصاعدت اللهجة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا على خلفية التدخل الروسي في أوكرانيا ووصلت الى حد التهديد بعقوبات ومقاطعة وبعزلة دولية ، ولم تنفع المكالمة الهاتفية المطولة التي دامت تسعون دقيقة بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين ، في تبديد الأجواء السلبية التي خيمت على العلاقات بين البلدين .
ما حدث ويحدث في أوكرانيا من تظاهرات وعمليات قمع أدت الى سقوط الحكومة كانت قد  بدأت مؤشراته على خلفية اقتصادية إجتماعية نتيجة الإنكماش الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة الذي بدأ في النصف الثاني من العام 2012 وتطور نتيجة رفض الحكومة السابقة تطبيق توصيات صندوق النقد الدولي من أجل الإصلاح الإقتصادي ، أثار أوروبا وأميركا لما لموقعه الإستراتيجي من أهمية جعلت هذا البلد ” ذهبيا ” في الجغرافيا بين روسيا وأوروبا ، كما يمكن ان تجعله خشبيا في حال تطورت الأمور نحو الأسوأ بسبب إعتمادها الإقتصادي على الخارج في الصادرات الصناعية كما الزراعية وهي تشكل معبرا أساسيا للطاقة بين روسيا وأوروبا .
وبغض النظر عن التحليلات التي ذهبت بمعظمها في إتجاه البحث عن خلفية التحرك الأوكراني وإذا ما كان يعبر بالفعل عن رغبة لدى الشعب الأوكراني أم هو نتيجة دعم غربي لإبعاد هذا البلد عن الإتحاد الأوراسي الذي يعمل بوتين من أجل إطلاقه في العام المقبل ، فإن حالا من التوتر قد ساد في المجتمع الدولي نتيجة تحرك الجيش الروسي في إتجاه أوكرانيا بعد أن حصل على حق إستخدام القوة العسكرية من مجلس الدوما ، ودخوله الى منطقة القرم  كما دخول حلف شمال الأطلسي على الخط ، مما دفع العديد من المراقبين الى التحذير من إنعكاسات ما يجري ليس على أوروبا فحسب وإنما أيضا على ملفات مرتبطة ومنها سوريا التي تنتظر جنيف الثالث ، وتعيش على وقع الحرب اليومية الدائرة في معظم المناطق .
سوريا التي تراجعت إعلاميا لا سيما في الصحافة الغربية والأميركية على حساب الملف الأوكراني ، تقدمها الكلام عن عودة الإتحاد السوفياتي والحرب الباردة وهو ما أشار اليه  رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي قال “يبدو أن الحرب الباردة لم تنته بعد على عكس ما كان قد ظن الكثيرون. ومع أحقيّة دعم مطالب الشعب الأوكراني الذي يسعى، أسوة بكل شعوب الارض لتعزيز حريته وديموقراطيته، ولكن قد يكون من الضروري الاخذ في الحسبان مصالح روسيا الاتحاديّة في شبه جزيرة القرم التي كانت بمثابة مرفق عسكري وحيوي وتاريخي على البحر الأسود يساهم في حماية أمنها القومي ويحول دون تعرّضها للانكشاف. من هنا، لعله من الممكن التوفيق بين هذين الحدين وإيجاد حل سياسي للأزمة الأوكرانيّة للحيلولة دون أن تتطور في إتجاهات أكثر سلبيّة أو دمويّة”.
جنبلاط ألذي أبدى خشيته كما العديد من المراقبين من إنعكاسات هذه الحرب الباردة سلبا على المفاوضات السورية  المتعقدة أصلا في جنيف ، حذر من تفاقم الوضع السلبي في سوريا مع دخول الأزمة عامها الثالث من دون أي حلول في الأفق . الهاجس من استمرار تدهور الأمور في سوريا ، كانت حذرت منه الأمم المتحدة وكافة المؤسسات الدولية التي تشهد على دمار معظم المؤسسات والمدن السورية وتحولها من بلد ذهبي  لديه دور سياسي ومحوري إستراتيجي في المنطقة الى بلد خشبي مفتت ومدمر يحتاج الى عشرات السنين لإعادة بناءه وعودة لاجئيه الذين سيصل عددهم هذا العام نحو خمسة ملايين .
صحيح أن ما حصل في أوكرانيا لم يصل بعد الى حرب داخلية كما حصل في سوريا ، إلا أن الأجواء التي سادت دوليا خلال الأيام القليلة التي رافقت دخول روسيا وأميركا وأوروبا على خط الأزمة ، إستطاعت ان تنقل العالم بلحظة من شعوره بقيمة الذهب في إستقراره الى تحوله الى خشب في حال وصوله الى شفير الحرب  وهذه المرة على الحدود الأوروبية …