- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

فايز صقر: الدولة مُلزمة بدعم الفنان واللوحة تجسيد لقضايا إنسانية

بيروت ــ معمر عطوي
رغم ان متذوقي فنّه من الطبقة المثقفة والدبلوماسية، بقي الفنان التشكيلي فايز صقر، مغموراً مع نحو 45 عاماً من علاقته بالريشة التي حملها ليرسم ما هو أعمق من الصورة والمشهد، مستوحياً معظم المدارس العالمية في الفن التشكيلي.
تنوع لوحاته بين الانطباعي والتقليدي والتجريدي والشكل الهندسي، يُظهر اهتمام الرجل بما هو أبعد من الشكل الخارجي، فثمة لوحات سوريالية تخاطب جوّانية الإنسان وتحكي قضايا إنسانية معقدة قد يطلّ منها على الواقع  السياسي أو ممارسات اجتماعية معينة أو حالات نفسية تتماهى مع اختصاصه الأكاديمي الذي ترك أثراً واضحاً في بعض اللوحات.
وفي لوحاته قضايا عميقة ومسائل شائكة قد تكون حمّالة أوجه، وقد لا يفهمها إلاّ الراسخون في علم الفن التشكيلي أو المُطلّون على قضايا الانسان من زوايا متشعبة.
يرسم صقر على القماش والكرتون والزجاج، مستمتعاً برحلة طويلة قضاها بين الفن الانطباعي الذي “يخرج من إحساسك الخاص”، كما يوضح، وبين الرسم التقليدي الذي يصوّر الطبيعة والواقع كما هو. وما بين التجريدي الذي يحتاج الى ذائقة فنية تحتاج الى إعمال التفكير في تفاصيل اللوحة لتفسير مكنوناتها وما يرمي الرسام منها.
يقول صقر إنه يركّز على المناظر الطبيعية والبيوت “لأن لبنان أصبح في وضع صعب نظراً للحاجة الملّحة الى سكن ومأوى. فبعد 40 من السنين العجاف أصبح لدى اللبنانيين حاجات يومية مهمة منها البيت، والفنان يعالج هذه الحاجات الحاضرة من منطلق كونه إنساناً يعيش بين هؤلاء الذين يعانون أزمات حاضرة”.
لذلك حاول صقر رسم البيوت بطريقة تعيد الى الناس ذاكرة أجدادهم وتراث لبنان الذي تحول من بيوت جميلة وسط مساحات الخضرة الى مكعبات إسمنتية تحد النظر وتُقصّر المدى الرحب.
ففي رأيه “أن الطابع الشرقي للبناء أصبح مفقوداً. لبنان بحكم موقعه الجغرافي وتعدد سكانه وانتمائه الى جهات محيطة في العالم العربي وتطلعه الى الغرب، كانت بيوته مزيجاً من شرقي وغربي بمعنى امتزاج الفنون بحسب تأثيرات الحضارات”. لكنه يوضح أنه “رغم تطلع لبنان الى الغرب وامتزاج الحضارات، حافظ على الطابع الشرقي مع بعض تلاوين الفنون الغربية التي أضفت مسحة جميلة على هذه البيوت التراثية”، مشيراً الى القناطر والمندلون والكوات الصغيرة التي كانت تسمى “طاقة القطة” في منازل جبل لبنان والجنوب وبعض المناطق الأخرى.
أما عن عدم مشاركته في معرض فني لعرض لوحاته، حتى الآن، فيبرّر صقر ذلك بالقول “المعرض يشكل احتكاراً للعمل الفني وتحجيماً للفنان من قبل الشركات الكبرى والغاليريات أو صالات العرض، سواء لجهة البدل المالي المطلوب أو لجهة الشروط التي تفرضها إدارة المعرض على الفنان. وبالتالي لا ينال الفنان حقّه من ذلك”.
لكن ثمة طريقة أخرى لتسويق لوحاته، فالفنان المقيم في منطقة الأشرفية في بيروت، وبحكم علاقات والده الأستاذ الجامعي الذي درّس في جامعات عربية ولبنانية، تعرّف الى فئة من المثقفين والأكاديميين وبعض أعضاء السلك الدبلوماسي في لبنان فأصبح معروفاً في الوسط الثقافي و”المخملي”، يطلبون لوحاته وقد يوصونه برسم لوحات أخرى حسب رغبتهم. الا أن الوضع الاقتصادي الذي يعاني منه لبنان ومعظم بلدان العالم جعلت الطلب على الأعمال الفنية نادراً ووضعت الفنان في دائرة العوز.
يؤكد صقر أن الكثير من الفنانين مغمورون في زوايا النسيان، بينما هناك شريحة واسعة تظهر على شاشات التلفزيون وفي المعارض، معتبراً أن مسؤولية إخراج الفئة الأولى ودعمها تقع على الدولة التي من المفترض أن تتبنى أعمالهم لأن العمل الفني يرفع قيمة ومستوى البلد حضارياً وثقافياً”.
ففي رأي صقر، إن مسؤولي الدولة القيّمين على الشأن الثقافي من واجبهم أن يرسلوا وراء هؤلاء الفنانين المغمورين ويشترون لوحاتهم ليعلّقوها على جدران الأروقة والغرف في الوزارات والدوائر الرسمية. فدعم الفنان أصبح حاجة ملحة في لبنان حيث لا يتمتع هذا الانسان المبدع بأي دخل شهري أو ضمان صحي، ولا حساب لهذا الانسان.
ويقول صقر إن “الناس يهمهم مسح أحذيتهم عند الماسحين المتجولين ويرتدون ربطات عنق “سينيه” ولا يهمهم اقتناء لوحة من فنان”، لكنه في نهاية اللقاء لا ينسى أن يذكّرنا بأن العديد من الفنانين ماتوا مديونين أو فقراء، مشيراً الى أن أحد هؤلاء، الذي عاش في القرن السابع عشر، كان ينتزع مسامير حذائه ليُثبّت بها لوحاته.