- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

“مرزاق بقطاش” بين سردية الأدب و…السياسة

Merzak_Bektache2الجزائر- نصيرة بلامين (خاص)

في شهر ديسمبر 2013 الماضي حاز مرزاق بقطاش على وسام “خادم اللّغة العربية” أسندته إليه جمعية “الكلمة” للثّقافة والإعلام في الجزائر. السّيد مرزاق بقطاش هو كاتب جزائري مشهور وصّحفي محنّك تعرّض خلال العشرية الدّموية السّوداء — وبالتّحديد سنة 1993 — إلى طلقة بالرّصاص أصابت قفاه، طلقة كادت تودي بحياته إلاّ أنّه نجا بأعجوبة، اتصلنا به للحديث عن الوسام الذّي تسلّمه وعن اللّغة العربية وعن مؤلفاته وعن السّياسة.

السّيد بقطاش، يكتب باللّغتين العربية والفرنسية، هو كذلك صحفي ذائع الصّيت بحيث ابتدأ مشواره الصّحفي منذ عام 1962، كتب (ولا زال يكتب) في العديد من الصّحف والجرائد العربية والفرنسية، أذكر منها: الوطن والشّعب والمجاهد وغيرها. عمل أيضًا في وكالة الأنباء الجزائرية، كان عضوًا في المجلس الأعلى للإعلام، وعضوًا في المجلس الأعلى للّغة العربية، وعضوًا في المجلس الأعلى للتّربية، وممثلاً للصّحافة المكتوبة وعضوًا في المجلس الاستشاري الوطني الذّي أسّسه الرّئيس الرّاحل محمد بوضياف (رحمه الله) عام 1992، وتخلى عن عضويته لهذا المجلس بعد تعرضه للاغتيال سنة 1993 حيث كان على قائمة الموت بين أسماء عديدة من المثقفين والمفكّرين والفنانين والعقلاء وغيرهم الذّين تمّ اغتيالهم من أمثال طاهر جاووت، وعزّ الدّين مجوبي والشّاب حسني (رحمهم الله) وغيرهم. في عام 1993، كان دوره، وأصيب برصاصة في رأسه، ونجا منها بأعجوبة. في 07 من شهر جوان 1994، اسم آخر يسقط من على لائحة الموت، حيث فقد زميله، وصديقه وأخاه السّيد “شركيت فرحات” (رحمه الله)، الذّي كان رئيس تحرير في جريدة المجاهد آنذاك، ماذا يحتفظ اليوم من تلك الفترة الدّموية السّوداء التّي عاشتها الجزائر، وعاشها بامتياز؟ كان ردّ السّيد بقطاش ما يلي: “لا أحتفظ بشيء كثير عن تلك الفترة، ما عدا الخسارات البشرية والتّي كان بإمكاننا تجنبها ببعض من الحكمة والتّعقل والقليل من الحوار. صحيح أنّني فقدت العديد من الأصدقاء والزّملاء لكنّ إيماني العميق بهذه الجزائر لم يتزعزع بتاتًا، وهو الإيمان نفسه الذّي كنت أمتلكه في فترة شبابي. بعبارة أخرى، حتّى وإن لم أتمكن من نسيان أولئك الذّين ماتوا خلال تلك الاضطرابات إلاّ أنّني أظلّ مقتنعًا بأنّ الحياة ستكون أفضل للأجيال المقبلة. ما يهمّني هو التّطلع نحو المستقبل، البعض يقول لي: “أنت تتكلّم كزعيم حزب جبهة التّحرير الوطني”، وأنا أردّ عليهم: “بل كزعيم لهذه الجزائر”. كلّ ما يمسّ الجزائر، فأنا أفهمه جيّدًا”.

والأستاذ بقطاش مدافع قويّ للّغة العربية، ويحبّ استعمال الكنايات والاستعارات والمجازات، ويحلو له اللّعب مع الكلمة الجميلة ومسايرتها كلعبه بنوطات البيانو، في هذا المقام، تذكرت مقولة لجول رونارد يقول فيها: “كلمة جميلة أحسن بكثير من كتاب ضعيف”، وعن علاقته وارتباطه بالكلمة، يجيبنا: “عليّ القول أنّني أحبّ كلّ اللّغات التّي أتقنها: اللّغة البربرية، لغتي الأمّ، واللّغة العربية الكلاسيكية، والفرنسية والإنجليزية. أنا مولع باللّغة العربية في المقام الأوّل، لأنّها هي أساسًا كلّ ما تربطني بالثّقافة الإسلامية العظيمة والدّين والأدب الكلاسيكي. هذا يسمح لي القول بأنّ الكلمة في حدّ ذاتها تشكّل المضمون نفسه، إنّها الحالة النّفسية للحيّز الجغرافي الذّي طورته على عتبة بابه. تكفيني كلمة واحدة، إيقاع واحد منها لأنشئ قصيدة نثرية أو قصّة أو رواية. أنا في الأساس شخص كان يعطي دائمًا الأولوية للكلمة ولهذا السّبب فأنا شغوف بكلّ المخطوطات أو بكلّ ما هو خطّي. إن صحّ التعبير، فأنا طفل ينتمي إلى حضارة خاصة، إلى حضارة انقرضت منذ أكثر من ألف سنة، إلى تلك الحضارة التّي منحت لغتها المكانة الأولى والأخيرة في مجال التّعبير الفنّي والأدبي”.

وفي تصريحاته في أحد الصّحف الجزائرية، نجده يقول إنّ: “اللّغة (العربية) هي جزء منّا وجزء أيضًا من وجداني”. وقد استلم مرزاق بقطاش في شهر ديسمبر 2013 الماضي وسام “خادم اللّغة العربية” من قبل جمعية “الكلمة” للثّقافة والإعلام. وعن مشاعره تجاه هذا الوسام، وردّه على أولئك الذّين يقولون إنّ الجزائريين لا يتقنون اللّغة العربية، يقول بقطاش: “الحقيقة، أنّني كنت سعيدًا جدًا لاستلامي هذه الجائزة، ببساطة يمكنني القول إنّ هذه الجائزة تندرج في مسيرتي الثّقافية بصفتي كاتبًا وصحفيًا. بالفعل، اللّغة العربية هي جزء منّي، بل جزء من ذاتي. لا أستطيع الابتعاد عنها لحظة واحدة. صحيح أنّه كان بإمكاني جعل اللّغة الفرنسية أو الإنجليزية إحدى وسائل التّعبير المتداولة كما هي الحال عندما أتعاطى معها في عملي الصّحفي، ولكنّ صراحةً، أفضّل اللّغة العربية، لأنّني أريد أن أكون نفسي. بين قوسين، أودّ القول إنّني لا أعارض ولست ضدّ أيّ لغة تستعمل في الجزائر. وفي مجال اللّغة العربية دائمًا، وأنا أتحدّث عن درجة تعلّم المواطنين لها، أظنّ أنّه لا يزال الكثير من العمل وهذا في جميع المجالات. الأمر يتعلّق بإنشاء، أي التّفكير من خلال هذه اللّغة. أيّ لغة تتطوّر عندما تواجه عالم الواقع وأنا أعتقد أنّ هذا ما ينقصنا ليس فقط في الجزائر بل في العالم العربي برمّته”.

للأسف رغم المقامة المرموقة للسّيد بقطاش، خاصة بعد استلامه وسام “خادم اللّغة العربية”، نرى التّجاهل التّام للسّلطات تجاهه، وأنا أعني على وجه الخصوص، تجاهل وزارة الثّقافة التّي تبديه لمفكرينا ومثقفينا. في هذا الشأن يقول بقطاش: “المهمّ بالنّسبة لي هو القراءة والكتابة، أن تولي الدّولة اهتمامًا تجاهي أو تجاه المثّقفين لا يعنيني كثيرًا. وربّما يجب القول إنّ الدّولة في حدّ ذاتها عليها أن تصبّ اهتمامها في تخطيط وتصميم المواضيع والمشاريع بدل التّنشيطات التّي تقوم بها وهذا منذ تاريخ الاستقلال. التّنشيط الثّقافي هو في متناول الجميع بينما التّصميم والتّخطيط هو بالشّيء النّادر في النّظام السّياسي. التّصميم يحتاج إلى أشخاص بمثابة “أندريه مالروه”، وأمثال “أندريه مالروه” غير متواجدين في الجزائر. ترى، برأيك هل يوجد جائزة وطنية لمكافأة رجال ونساء الأدب في بلادنا؟ جائزة من هذا النّوع من شأنها إعطاء دفعة قوية في عالم النّشر، والكتابة في حدّ ذاتها، والنّقد الأدبي، وترويج الكتاب. جائزة من هذا النّوع والمتواجدة في الدّول الغربية تسمح بترسيخ عادة ثقافية تعود كلّ شهر سبتمبر من كلّ سنة، وتسمح بسيرورة الدّورة النّشرية، وتعبئة المكتبات بالكتب بشكل جيّد، وتخصيص أركان في الصّفحات الثّقافية للجرائد للإعلانات والمواد التّرويجية في المجال الثّقافي، وبهذه الطريقة تصبح بلاطوهات التّلفزيون تعجّ بالمثقفين الذّين يتهافتون عليها، وحتّى عالم السّينما يتمكّن له من إعطاء انطلاقة ونفحة من الدّيناميكية وغير ذلك. كلّ هذا نسميه تخطيطًا وتصميمًا قبل القيام بأيّ شيء. المهمّ بالنّسبة لي، هو مواصلة القراءة والكتابة، هذه هي مهمّتي في الوجود”.

وفي المجال الرّوائي، نجد في جعبة كاتبنا، الكثير من الرّوايات والقصص التّي كتبها سواء باللّغة العربية أو الفرنسية، (أذكّر أيضًا بأنّه يجيد جيّدًا لغة شكسبير)، من بين مؤلفاته، أذكر، “طيور الظهيرة”، “رقصة في الهواء الطلق”، “جراد البحر”، “عزوز الكابران”، “خويا دحمان”، “بقايا قرصان”، “دار الزّليج”، “دم الغزال”، “مومس البحر”، وغيرها. وفي مقال نشر في أحد الجرائد، يقول إنّ: “الكتابة مسؤولية أخلاقية، في المقام الأوّل، أتعامل مع اللّغة وأعتبر نفسي “مسؤولاً” عن أيّ حرف أكتبه”. سألناه إن كان نجح في إيصال رسائله المختلفة والمتعدّدة إلى القارئ بكلّ حرية، ومسؤولية ووعي، فكان جوابه: “كلّ ما أكتبه أومن به، وإلاّ فما قيمة محاولة القيام بالمستحيل؟ في مجال الأدب، أحسست دائمًا بالحرية، بعكس عملي الصّحفي حيث كنت مجبرًا باتباع خط تحرير معيّن. أعتبر نفسي جيشًا في حدّ ذاته، ولديّ مقر رئيس خاص بي، أنا أقوم بالحرب على طريقتي الخاصة. أمّا فيما يتعلّق بكتاباتي وصدى الحديث عنها والتّي وصلتني، أترك لك المجال لتحكمي عليها بنفسك، وزيادة على ذلك، أجد البعض يقول لي: “مرزاق لما لا تبدي اهتمامًا لترويج كتابتك؟” وجوابي لهم يكون: “ما يهمّ هو القيام بالسّفر لا الوصول إلى مكان معيّن!”

ودائمًا في مجال الأدب، نجد الأستاذ بقطاش يصرّح في إحدى الصّحف بما يلي: “ليس هناك أديب لم يخض في السّياسة”. وجرّ بنا الحديث عن السّياسة في الجزائر وطلبنا منه أن يصف لنا الوضعية السّياسية التّي تعيشها الجزائر حاليًا. وأجابنا: “الكاتب في حدّ ذاته يرمي إلى العيش وسط مجتمع معيّن، أليس كذلك؟ العيش داخل مجتمع ما، معناه ممارسة السّياسة، سواءً بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بما أنّ كلمة “سياسة” في المعنى الأولي تعني: “الذّهاب إلى المدينة”. وبالتّالي، فالسّياسة تكون نوعًا خاصًا من التّنظيم الاجتماعي، والكاتب الذّي يعيش داخل المجتمع لا يمكنه الفرار من الانضمام إلى هذا العمل التّنظيمي، وهو بالتّالي يشارك من خلال كتاباته. هذه هي السّياسة، لكنّها سياسة غير مسيّسة.

أمّا السّياسة التّي تمارس على الشّاكلة التّي عليها في بلادي، أظنّ أنّنا لا زلنا في مستوى البحث، كما هي عليه الحال في جميع البلدان العربية والإفريقية. ومع ذلك يجب الاعتراف بأنّ الجزائر حقّقت معجزات في هذا المجال منذ تسعينيات القرن الماضي. والفضل كلّه يعود إلى الشّعب، فقد سالت الكثير من الدّماء. لكن يبقى الكثير من الأشياء للقيام بها، والوصول إلى وتيرة مناسبة في تسيير سياستنا بصفة عامة”.

أمّا عن ردّة فعله عند إعلان السّيد عبد العزيز بوتفليقة للتّرشح لولاية رابعة، أجاب: “حتّى وإن كان مريضًا يظلّ أحسنهم جميعًا، فالمترشحون الآخرون في نظري حسب العامية الجزائرية “ما يعمروش العين!” بودّي أن أكون مخطئًا، إلاّ أنّ الجزائر لم تنجب رجالاً سياسيين بمثابة بوتفليقة ما عدا البعض من جيل بوتفليقة”.

وفيما يتعلّق بالدّيمقراطية في الجزائر وفي مختلف الأحزاب المتواجدة في الجزائر ودورها على السّاحة السّياسية، وكذا عن حقيقة الخطاب السّياسي الجزائري وعن حرية التّعبير، قال: “الدّيقراطية هي في المقام الأوّل نوع من البستنة: لابدّ القيام بالحفر، والحرث، والسّقي، والقيام بالتّعشيب المتواصل. وهذا ما لا يوجد عندنا لحدّ الآن. إنّ أيّ حزب سياسي ليس إلاّ جملة من الأفكار والمشاريع ذات أهداف معيّنة. هناك نوع منها ما هو يساري وما هو يميني لكن هذا غير كاف. كما أنّ أغلب الشّباب السّياسيين يقومون بالمغالاة لا غير.

أما في موضوع حرية التّعبير، أعتقد أنّ اللّعبة السّياسية قامت على أساسها منذ سنوات التسعين. هذه الحرية في التّعبير هي أمر حقيقي، لأنّ الصّحافيين على غرار التّجمعات والرّابطات الاجتماعية الأخرى دفعوا الثّمن غاليًا، أوّلاً بدمائهم وكذلك بشجاعتهم وثمّ بمثابرتهم، ولا مجال للرّجوع إلى الوراء في هذا الميدان”.

ونحن نتجاذب أطراف الحديث جرّنا الكلام إلى الزّيارة الأخيرة التّي قام بها أمير قطر إلى الجزائر، أيامًا قلائل قبل موعد الاستحقاقات الرّئاسية. أودّ أن أذكّر فقط بأنّ شكيب خليل، وزير الطّاقة والمناجم السّابق والمتورّط في الفضائح المالية في قضايا “سونطراك 1” و”سونطراك 2″، والذّي يمكن أن يتورّط كذلك في قضية “سونطراك 3” بحيث أنّ إسبانيا تودّ إيداع شكوى ضدّه لدى المحاكم، وقبل زيارة أمير قطر إلى الجزائر، سافر إلى قطر للالتقاء  ببعض معارفه ورجال أعمال قطريين، وتساءلنا إن كان هناك علاقة مباشرة في تنقل الوزير السّابق للطّاقة والمناجم إلى قطر وزيارة أميرها إلى الجزائر. جواب بقطاش كان: “أصدقائي والمقربّون بي يعهدون عليّ صراحتي في الكلام، جوابي على سؤالك هو أنّ هذا الموضوع خارج عن نطاقي، وبالتّالي لا يمكنني الحديث عنه، ما قصدت قوله هو أنّ هذه المسايرات السّياسية لا تهمّني بتاتًا وحتّى وإن كانت تهم الحكم في بلادي، لأنّ هذه المسايرات إن صلحت صباحًا أصابها العطب مساءً. بمعنى آخر، ما وزن أمير قطر في لعبة الشطرنج السّياسي العالمي؟ وزنه يعادل بئر بترول قابل للنّفاد يومًا ما بفعل اهتزاز قاريّ. صحيح أنّه يملك آبار بترول من الدّولارات ولكن نحن أيضًا نملك آبار بترول من الدّولارات، المهمّ هو معرفة استثمارها. أمّا فيما يتعلّق بالوزير السّابق للطّاقة والمناجم، فقد حدث أن قرأت بعض الرّوايات السّاخرة بشأنه لاسيما في الصّحافة الجزائرية بل وكذلك في الصّحافة الغربية. هل هناك حقائق في هذه القضية؟ يستحيل عليّ الردّ على ذلك، هذا لا يعني بتاتًا أنّني أدافع عن أيّ شخص ولا أودّ أن أرشق بالحجارة أحدًا، كما أنّ العديد من المعلومات المتحصّل عليها لم يتمّ التّحقق منها”.

وفي قضية وجود القطريين في جنوب الجزائر، وكذا بعض الإماراتيين وآخرين من بلدان الخليج، حيث نشبت مؤخرًا فضيحة في ولاية “البيض” بحيث تجمع سكانها وتقربّوا من السّلطات المعنية محتجين لطرد الأمراء القطريين من ولاية “البيض” الذّين شدّوا رحالهم إلى هناك. أودّ أن أذكّر فقط بأنّه حسب ما ذكرته العديد من الجرائد والصّحف الجزائرية أنّ أولئك الأمراء لا يحترمون بتاتًا لا الطّبيعة ولا الإنسان ولا سكان مدينة “البيض” ولا حتّى البلاد التّي استقبلتهم كـ”ضيوف”، أولئك الأمراء يتعاملون مع الغير ببجاحة وكأنّهم في بلدانهم، إنّهم يقومون بالصّيد في هذه المنطقة بطرق غير قانونية، إنّهم يصطادون الغزلان والحباري وهي حيوانات نادرة ومحمية في الجزائر بحيث أنّ صيدها ممنوع قانونيًا منذ عام 1990، والصّور التّي نشرتها مختلف الجرائد والصّحف الجزائرية هي مرعبة، هؤلاء الأمراء خرّبوا الطّبيعة ودمّروا سهولها وأكثر من ذلك فهم يتعاملون مع سكان مدينة البيض بتعال ووقاحة وإزدراء، والفضيحة في هذه القضية هو أنّهم أجبروا القبائل الرّحالة على الابتعاد من أماكنهم المعتادة ليتسنى لهم نصب خيمهم بكلّ راحة وحتّى أنّه لجأ بهم الأمر إلى طلب توفير لهم نساء للمتعة والتّسلية، وهذا ما أثار سخط وغضب سكان مدينة البيض الذّين تقرّبوا من السّلطات المعنية لطرد أولئك الأمراء من مدينتهم، جواب الرّئاسة كان واضحًا: “هم أصدقاء الجزائر”. أوّد أن أذكّر بشيء واحد لفهم هذه العلاقة الوطيدة التّي تربط قطر بالرّئاسة وليس بالجزائر، أودّ أن أذكّر بأنّ السّيدة مشرنان ربيعة، التّي كانت الوزيرة النّائبة في مجال التّضامن الوطني وحماية العائلة بين فترتي 1996 و1999 والتّي تقول إنّها من أقرباء الرّئيس بوتفليقة التحقت بدولة قطر مباشرة بعد خروجها من الحكومة وعملت لمدة خمس سنوات كمستشارة لدى سموّ الشّيخة موزة في الشؤون الاجتماعية وأوضاع المرأة، ونحن نعلم جميعنا المواقف النبيلة والشّجاعة التّي اتخذتها الشّيخة موزة في قضايا المرأة، ولا أظنّ أنّها ستسمح بهذه التّصرفات المعتوهة والمشينة لأولئك الأمراء لأنّ تصرفهم ذلك ليس إلاّ طعنًا في كرامة المرأة الجزائرية وشتيمة لها بل مساس بكرامة جميع نساء العالم، وأنا “أندّد!”. وكان ردّ بقطاش بخصوص هذه القضية: “بصراحة، لست على علم بهذا الملف، وهو لا يهمّني بتاتًا لا من بعيد ولا من قريب، فبالنّسبة لي لا يمكن أن يشكّل موضوع تحفة أدبية. القطريون والشّيخة موزة ومشرنان وغيرهم لا مكان لهم في رأسي بل ولا في عالمي الصّغير. الصّيد غير القانوني والخراب في الصّحراء من قبل القطريين وغيرهم ليس بالحدث الجديد، ففي فترة بومدين تمّت تجزئة الصّحراء من طرف أولئك المتعصّبين! أمّا بخصوص انتفاض مواطني مدينة البيض ضدّ أولئك المدمّرين فهذا شرف لهم وأنا أساندهم في ذلك”.

وعن الزّيارة الأخيرة لجون كيري إلى الجزائر في نفس موعد القطريين، علمًا أنّ جون كيري أخرّ زيارته إلى الجزائر طوال عام كامل. والجدير بالذّكر أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تجتاز أوضاعًا اقتصادية واجتماعية مزرية جدًا، ولذا هي تحاول البحث عن حلول خارجية لمشاكلها الدّاخلية، والعثور على أسواق خارجية من أجل إعطاء نبض جديد لاقتصادها المتعثّر. كما لا ننسى الخراب الذّي تركته بعد خروجها من العراق ولا تواجد المواطنين الجزائريين في معتقل غوانتنامو حيث يعانون شتى الإهانات والتعذيبات الجنسية، ولم يتمّ إطلاق سراحهم لحدّ اليوم، وهذا طعن في أبسط مبادئ حقوق الإنسان. أجاب بقطاش: “الأمريكيون يقومون بسياستهم، إذن علينا القيام بسياسة موازنة. أمريكا معروفة بتدخلها في شؤون العالم منذ 1823 أي منذ فترة حكم الرّئيس مونرو. المسألة الجوهرية لنا تبقى في معرفة الدّفاع عن أنفسنا، واللّعب بدورنا والحيازة على موقع ومركز بين البلدان. ملف العراق أو فلسطين أو أفغانستان ليست بالملفات الجديدة على أمريكا، الشيء المهمّ بالنّسبة لجميع الشّعوب هو معرفة الدّفاع عن نفسها وحتّى إن اضطرّها الأمر اللّجوء إلى استعمال القنبلة الذّرية، نعم القنبلة الذّرية. فالأمريكيون استعملوها ضدّ اليابان والمستعمرون الفرنسيون استعملوها في الجزائر. وأنا أقول لك إنّني لست ضدّ القنبلة النّووية الإيرانية ما دام الإيرانيون لا يستعملونها إلاّ للدّفاع عن أنفسهم.

أمّا في ما يخص قضية الجزائريين المحتجزّين في غوانتنامو فأعتقد أنّه من واجب دولتهم الدّفاع عنهم وإعادتهم إلى وطنهم ومحاكمتهم إن كان هناك مجال للمحاكمة. أمريكا عليها أن تكفّ عن لعب دور جمركي العالم، إنّه دور لا يشرّف تاريخها بتاتًا”.

كما أنّ الأستاذ بقطاش تناول موضوع السّياسة في العديد من روايته، منها “دم الغزال” حيث استعرض من خلالها “العنف السّياسي” وموت الرّئيس الرّاحل المغتال “محمد بوضياف” (رحمه الله)، كما تحدّث عن فترة اغتياله، ويقول في إحدى صفحات الرّواية: “أنا مرزاق بقطاش (…) لست بالسّياسي وأكره السّياسة والسّياسيين ولا أرى الخير فيهم أبدا حتى وإن كانت نيات البعض حسنة”، هل يرفض السّياسة الجزائرية أو أنّه ليس على وفاق معها؟ بقطاش يقول: “أنا أرفض السّياسة المسيّسة والسّاسة وما يشابههم. الجزائر لا زالت في بحث مستمر عن ذاتها، واليوم الذّي تتواجد فيها اللّعبة السّياسية الحقيقية سأنضمّ إليها “قلب ورب” (كما يقال بالعامية الجزائرية). في عام 1992، عندما قررت الانضمام إلى المجلس الاستشاري الوطني، اعتبرت نفسي كأحد جنود نوفمبر لثورة 1954، لأنّ البلد كان على حافة الانزلاق في الظلمات إلى أبد الآبدين، حينها اعتبرت نفسي كسياسي، كان لابدّ عليّ الدّفاع عن بلادي، وأظنّ أنّني سأكون حاضرًا وسألبي أيّ نداء من شأنه أن يجعل بلادي في طليعة التّاريخ”.

وخلال صفحات أخرى من روايته، نقرأ للكاتب هذه الأسطر: “الرّصاصة عمّقت إيماني بالله، لم تنل من عقلي، بل إنّها جنبتني السّقوط في اللاعقل، وجعلتني أرضا أندلسية جميلة، الرّصاصة وطدت العلاقة بيني وبين القراءة والكتابة، وهي ما فتئت أن تستحدثني على تأمل الحياة وتدفعني إلى تناول القلم في الصباح والمساء (…) عندما تخترق الرّصاصة دماغك، يا هذا، تعبر من شرقه إلى شماله، تشّق اللّحم والعضل، وتفتك بالعظم والأعصاب، وتنال من تماسك العقلي والنّفسي، ثمّ تعود إليك الحياة، فلا بدّ أن تقول حينئذ إنّ الله خلقك مرة أخرى”. وقد نجح من خلال هذا المقطع المستخلص من السّيرة الذّاتية، في إيصال ببراعة كلّ مشاعره عند تلقيه الرّصاصة، هل هي صرخة تظلم أمام هذا العداء؟ أجاب الكاتب: “إنّها ليست صرخة بتاتًا ومهما كان نوعها، بل هو بوح، لأتمكّن من مواصلة مشواري كإنسان انكب على عمله كلّه في الكتابة، لقد ذقت طعم الموت، وقد وهبني الله عزّ وجلّ الحياة من جديد، ولذا عليّ أن أشكره وأواصل مسيرتي في الكتابة. لا أريد التفلسف في هذه القضية، الحياة أمامي وأنا آخذها كما هي”.

السّيد بقطاش ما زال يواصل مسيرته الفنية وهو يعدّ حاليًا مشروعًا جديدًا في مجال الرّواية والقصّة، وقد أطلعنا عن مشروعه الجديد حتّى وإن كان لا يحبّ الحديث عن مشاريعه الكتابية. كتابه الجديد الذّي يكتبه حاليًا بالعربية والفرنسية في الآن نفسه يحمل عنوان “نهاوند”، وهو اسم مستنبط من الإيقاع الموسيقي الشّرقي. أحداث القصّة تدور في الأندلس والجزائر وعلى مياه البحر الأبيض المتوسّط في بداية القرن السّابع عشر.

ونختتم لقاءنا مع الكاتب مرزاق بقطاش عن تمنياته للجزائر بعد استحقاقات 17 أبريل/نيسان الجاري، ليقول لنا: “أتمنى كلّ الرّفاهية والسّعادة لهذا الشّعب الذّي عانى كثيرًا”.