- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

احتلال صاخب وانسحاب صامت

“نحن سعداء بالعودة الى ديارنا بعدما انجزنا المهمة”، هذه الجملة قالها أحد الجنود الأميركيين عند الحدود العراقية- الكويتية اثناء مغادرة اخر قوافل القوات الاميركية التي أمضت ثمانية اعوام وتسعة اشهر في العراق، ونقلها بخجل بعض وسائل الاعلام.
“أنا هنا لمهمة محددة واريد العودة الى الديار”، هذه الجملة قالتها لي، اثناء تغطيتي للحرب كمراسلة لقناة “المستقبل”، احدى المجندات، وفي المكان نفسه انما اثناء دخول القوات الاميركية الى العراق في نيسان من العام ٢٠٠٣. وكانت واحدة من مشاهد عديدة نقلتها معظم وسائل الاعلام التي كانت موجودة وبكثافة لتغطية الاحتلال الاميركي.
كان لافتاً غياب التغطية الإعلامية الخاصة التي تقوم بها عادة الفضائيات الغربية والعربية لمثل هكذا حدث له انعكاسات على مسار العملية السياسية ليس في العراق وحده وانما في المنطقة ككل. بهدوء وبصمت غادرت القوافل ومن دون ضجيج إعلامي سوى صورة عن إنزال العلم الاميركي عن احدى القواعد في بغداد، وصورة من الولايات المتحدة الاميركية يستقبل فيها الرئيس باراك أوباما الجنود العائدين ويتحدث أمامهم بتاثر عن الانجازات التي تم تحقيقها. والأبرز الكلمة التي رددها ثلاث مرات مرحباً بعودتهم الى الديار “welcome home”.
كان المشهد مختلفاً في العام ٢٠٠٣. صخب إعلامي ونقل مباشر ومئات المراسلين موزعين على الحدود العراقية الشمالية والجنوبية اضافة الى بغداد، كما كان المراسلون مع الجنود الأميركيين في ما سمي «embedded» او المراسل المرافق للجنود لنقل حركتهم وموقفهم. والجميع يذكر، لا بل ربما طبعت صورة إسقاط تمثال الرئيس الراحل صدام حسين، التي نقلتها وسائل الاعلام العالمية، في أذهان الكثيرين. وكانت رمزا لسقوط بغداد اضافة الى الساعات الطويلة التي خصصت للحديث عن مكونات المجتمع العراقي والمعارضة القادمة من الخارج الى الحكم في العراق.
وبقي المشهد لشهور وسنوات الخبر الاول في الفضائيات والصحف الغربية والعربية.
اليوم وبغض النظر عمن يرى في الانسحاب هزيمة للأميركيين ومن يرى فيه إنجازا تم تحقيقه، هل يمكن ان يغيب المشهد إعلامياً بعدما سقط اكثر من 200 صحافي وصحافية ضحية التغطية الإعلامية لما حصل في العراق؟ ولماذا اقتصرت التحقيقات والتقارير وحتى المساحات الإعلامية على مرور الخبر عاديا؟
احداث وتطورات عديدة طبعت المرحلة وتزامنت مع عام الانسحاب الاميركي من العراق، ولا سيما الثورات العربية وسقوط زعماء ورؤساء، حولت مسار المنطقة، ولكن يبقى خبر الانسحاب الاميركي بعد ثمانية اعوام محطة هامة في التغيير في المشهد السياسي، فهل يمكن الاكتفاء بصورة اخر قافلة تغادر وتطوى الصفحة؟