- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

ماركيز عاش ليروي عطشنا

Attwi Moammar 2014معمر عطوي

تعرفت على الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، من خلال روايته “الجنرال في متاهته” تلك الرواية التي تحكي قصة الأيام الأخيرة من حياة الجنرال سيمون بوليفار، الذي يعتبر قائداً محرراً في أميركا الجنوبية اللاتينية في الربع الأول من القرن التاسع عشر. أعترف أني حين قرأتها وكنت لم أتجاوز العشرين من عمري، وجدت صعوبة في تركيبتها اللغوية. لكني جالدت نفسي وصبرت حتى فهمتها ومن ثم استمتعت في قراءتها. وتوجهت أبحث عن غيرها من نتاجاته لأجد صعوبة أكبر في قراءة “مئة عام من العزلة” التي قرأتها مرتين حتى استوعبتها.

كنت سعيداً بعمل جميل يوثق رحلة المنفى لسيمون بوليفار من بوغوتا إلى الساحل الكاريبي في كولومبيا في محاولة لمغادرة القارة الأميركية نحو منفاه في أوروبا.

واستمتعت أكثربقراءة “حب في زمن الكوليرا”، ز”ليس للكولونيل من يكاتبه”. وقد يكون للسمعة دور مهم في موضوع الانتقائية في القراءة، فحين نعرف أن الكاتب حاصل على جائزة نوبل، نهرع للتفتيش عن أعماله، كون الجائزة أفضل عملية تسويق ليس لكتاب بل لعبقرية أيضاً، وإن كانت المسألة نسبية وتدخل فيها أحياناً حسابات السياسة والمصلحة. فالرجل فنان بكل معنى الكلمة يعرف كيف يصوغ عبارته وكيف يطوّع جملته لتحقيق المراد فيتناول مواضيعه المعقدة بإسلوب جميل.

حين يعتاد المرء على أسلوب ماركيز، يتجاوز عقدة التركيب اللغوي وتداخل الأحداث والشخصيات والعقدة وذروتها، ويصبح خبيراً بتقنيات هذا الكاتب. من هنا خرجت من “متاهة” الجنرال نحو “مئة عام من العزلة” رائعته الشهيرة التي تلازم إسمه أكثر من أي رواية أخرى.

لقد قدّم ماركيز في رواياته تحليلاً نفسياً للجنرالات المستبدين، وأضاء الجانب الخفي من حياتهم. هذا ما نلحظه أيضاً في روايته “ليس للكولونيل من يكاتبه”، لكن في اي حال يبقى الكتاب الكبار مظلومين في الحياة، إذ لا يتعرّف عليهم المرء إلا في حال حصولهم على جائزة دولية أو في حال موتهم.

فرواية “مئة عام من العزلة” وبعد حصولها على “نوبل” وصل عدد النسخ المباعة منها الى نحو 30 مليون نسخة، وترجمتها الى 35 لغة، باتت أيقونة المكتبة الأدبية في العالم تُضاف الى أمهات الروايات العالمية، ولا أبالغ اذا قلت أن رديف كلمة رواية هي ماركيز.

لقد عاش ماركيز بالفعل ليروي كما قال في سيرته الذاتية “أعيش لأروي”، ولم يرحل قبل أن يروي عطشنا بأعمال عديدة تستحق القراءة. لهذا اذا مات الكاتب يبقى هناك ما يخلده وهذا عزاءنا برحيل ايقونة أميركا اللاتينية الذي وقف دائما الى جانب الفقراء والمهمشين.