- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

تداعيات الأزمة اليونانية: الانتحار سيد الموقف

 منذ أن وقعت اليونان في أزمتها المالية الخانقة، بدأت تتفشى في البلاد مظاهر غير مألوفة، منها ازدياد عدد المشردين ليصل الى أرقام قياسية، وارتفاع معدلات البطالة والإدمان والجريمة. لكن من أهم ما أفرزته الأزمة كان انتشار ظاهرة الانتحار في بلد اعتبر الى وقت قريب صاحب المعدل الأدنى للانتحار في أوروبا.

فقد أظهرت إحصاءات وزارة الصحة اليونانية أن “النفق الاقتصادي المظلم الذي دخلت فيه البلاد، وإجراءات التقشف الصارمة التي أعقبت ذلك، أدت جميعا الى زيادة مخيفة في عدد الذين يجدون في الانتحار مهرباً أبديا من سوء الحال”. وتقول الإحصاءات إن هذه الزيادة بلغت 40 في المائة في الفترة من يناير/ كانون الثاني، إلى مايو/ ايار من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وكان اليونان، قبل أن تبدأ الضائقة المالية في إحكام قبضتها على الاقتصاد قبل ثلاث سنوات، صاحب المعدل الأدنى في أوروبا. فقد كان معدل الانتحار لا يزيد عن 2.8 في المائة بين كل 100 ألف شخص. لكن هذه النسبة قاربت الضعف الآن فصارت الأعلى وسط دول القارة كافة.

ويقول الخبراء إن “هذه الحقيقة تصبح ذا بعد درامي خاص بالنظر الى أن اليونانيين شعب متدين وإن الكنيسة الأرثوذكسة التي يتبعونها تصل الى حد حرمان المنتحر من مراسم الدفن الدينية التقليدية”، ما يعني أن “اليأس بلغ بالعديد من اليونانيين مرحلة غير مسبوقة في تاريخ البلاد”.

ونقلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن الطبيبة النفسية ايليني بيكاري، التي تدير مكتبا متخصصا في تلقي الشكاوى النفسية من الجمهور في مؤسسة خيرية شبه حكومية تسمى «كليماكا»، إن «الضغوط التي يتعرض لها اليونانيون هائلة، وتتعلق بعدد من العوامل من بينها الديون المتراكمة يوما بعد آخر، والإفلاس والبطالة أو الخوف الدائم من فقد العمل في أي لحظة».

ويذكر أن هذا المكتب يؤمن للجمهور خطوطا هاتفية ساخنة على مدار ساعات اليوم لتقديم المشورة لأولئك الذين يعانون من مختلف أنواع المشاكل. وكان يتلقى نحو 10 مكالمات كل 24 ساعة قبل تبلور الأزمة، لكن العدد ارتفع الآن الى أكثر من 100. وتقول بيكاري إن زبائنها يقعون في الفئة العمرية 30 إلى 50 عاما وسط الرجال، و40 – 45 وسط النساء. لكنها تقول إن اولئك الذين يُخشى لجوؤهم للانتحار “رجال يعانون في الغالب من الكرامة الجريحة والمفقودة بسبب تبدل أحوالهم المعيشية من الحسن الى السيئ الى الأسوأ في السنوات الأخيرة”.

وتتضح مظاهر الفقر في بلوغ نسبة العاطلين (42 في المائة منهم بين الـ25 و40 عاماً) الى معدل 18 في المائة، وهذه النسبة ليست الأولى غير المسبوقة في البلاد. فقد عانى الناس من تجارب أخرى غير معتادة، مثل شبه انعدام التمويل الحكومي للخدمات العامة واختفاء دعم السلع. إضافة الى إفرازات مؤلمة مثل وجود أكثر من 20 ألف مشرد في قلب أثينا وحده، وارتفاع تعاطي المخدرات بسرعة جنونية وسط فئات من الناس ما كانت تفكّر فيها في الظروف الطبيعية، ووصول معدلات الجريمة الى آفاق غير مسبوقة في تاريخ البلاد.

كل هذا من دون ضوء في نهاية نفق الطويل، إذ أن اليونان ستدخل مع بداية 2012 – أي خلال ايام معدودة – عاما خامسا من الركود الاقتصادي الكامل.

وهكذا صار الخوف حقيقيا على صحة الأمة العقلية. فالبلاد تشهد الآن فيضانا من حالات الاكتئاب المَرَضي وإيذاء النفس والآخرين. وتقول رابطة أطباء النفس إن العيادات شهدت ارتفاعا بنسبة 30 في المائة في عدد زوارها المرضى المدفوعين اليها بغياب الأمان التام في ظل الظروف المعيشية الجديدة.

وقرعت الرابطة ناقوس خطر آخر يتمثل في تفشي الأمراض النفسية وسط الأطفال أنفسهم. وتتعدد الأسباب هنا من رؤية المعاناة التي يقاسيها الوالدان الى إيداع أحدهما أو كليهما السجن بسبب اللجوء الى الجريمة من أجل توفير لقمة العيش أو وجود حالة انتحار في الأسرة وغير ذلك من الصدمات العاطفية العنيفة على قلوب الصغار.

وبناء على هذا يقول الأطباء الآن إن على الحكومة الشروع في “برنامج قومي يهدف الى إيجاد البلسم لجراح الأمة، وتكون في صدر أولوياته خفض معدل الانتحار الذي يأكل أبناءها بلا رحمة”.