- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

محمود حجول صحافي يترجّل

معمر عطوي

هو إبن بلدتي ومنزله في قرية الهبارية لا يبعد عن منزل جدي سوى خطوات قليلة. كنا حين نلتقي في أي مكان من بيروت مصادفة نحيي بعضنا بحرارة، ربما لأنه زميل مهنة المتاعب الذي حثني من دون أن يدري على دخول معترك الصحافة، وربما لأني كنت أرى فيه إرثاً قروياً طيباً يذكّرني بأيام “الضيعة” وسهرات السطوح وحملات قطف التين والعنب في الصيف.

محمود حجول إبن الرابعة والخمسين، كان بالنسبة لي ذلك الصديق العابر، لا أذكر أنّنا جلسنا وتحادثنا لفترة طويلة، فقد كان وقتنا كالسيف ان لم نقطعه قطعنا؛ هذا هو حال مهنتنا القاتلة. لكن كنت التقيه أكثر في مرحلة عمله في صحيفة “الكفاح العربي” أواخر التسعينات من القرن الماضي، حين كنت أعرّج على صديقي المرحوم حسين نصرالله، لتسليمه مقالات ثقافية، إذ لم يكن “الإيميل” قد دخل قاموسنا بعد.

ربما كانت المفاجأة الأهم أن محمود زميل لي في صحيفة “السفير” التي بدأت العمل فيها مؤخراً، وكان هو قد سبقني اليها بشهور قليلة. حين التقينا في المرة قبل الأخيرة عاتبني على “كبر كرشي” ونصحني بعدم تناول العشاء وتناول الطعام خلال النهار بشكل طبيعي، ممسداً بطنه وهو يقول: “أنظر الي كم ضعفت لأني لا أتعشى”.

اللقاء الأخير في “السفير” كان في قسم التنفيذ حيث كنا نتابع معا نشر مواد خبرية. يومها حيّاني بحرارة كعادته وعبّر عن سروره بأننا أصبحنا زميلين في مؤسسة واحدة. وكان الاتفاق على احتساء كأسٍ من الشاي أو فنجان قهوة معاً في وقت لاحق. لكن هذا الوقت لم يأتِ، ولا زلت انتظر رؤية محمود في أي قسم من الصحيفة أو عند مدخلها أو حتى في الشارع حيث اعتدنا لقاء المصادفة.

“محمود حجول، وقع في المصعد”، هذا ما أخبرني به أهل بلدتي. وحين أردت الاطمئنان عليه كان في غيبوبة. لم أشأ إزعاج زوجته الدكتورة ريما، باتصالاتي لاطمئن على صحته حين كان في غرفة العناية الفائقة، فقد كان صوتها الحزين على رفيق دربها يحزنني كثيراً، حتى فقدت الرغبة في الاتصال، مكتفياً بما ينقله لي أصدقاء مشتركون عن صحته.

في الأخير كان الخبر الموجع “محمود عطاك عمره”، وهكذا سقطت زهرة أخرى من أزهار الصحافة، وشخصية إعلامية وطنية عُرفت بمواقف ثابتة وفيّة لثلاثة أشهر من الإعتقال في معسكر أنصار الصهيوني بداية الثمانينات.

محمود رحل وتركني وحدي في “السفير” ألعن وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان على تقنين لطالما تسبب في موت مواطنين، وفي تعرض آخرين لصدمات شبه قاتلة.

لقد ترجّل محمود حجول عن صهوة جواد الحياة والمهنة، وارتاح من مرارة بلد يفتقد الى أدنى شروط السلامة العامة في كافة مرافقه. لكني لا زلت انتظر لقاء المصادفة لأحيّيه بحرارة.