- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الإنسان كائن قذر

Attwi Moammar 2014معمر عطوي

غريب أمر هذا الإنسان كيف يتحول بين ساعة وأخرى من شخص مسالم هاديء محبّ إلى كائن قذر تفوح منه رائحة الكراهية للآخر ويبدي استعداده للقتل أو للأذى عند أي لحظة يُطلب منه ذلك. منذ شهور ليست ببعيدة كانت روسيا وأوكرانيا بلدين متجاورين تشوبهما بعض الخلافات السياسية لكنها لا تخرج عن نطاق التظاهرات أو الاتهامات الإعلامية، وإذا بلغت ذروتها قد تصل الى مرحلة الضغوط الاقتصادية مثلما فعلت موسكو بقضية قطع الغاز عن جارتها. لكن أن تصل الأمور الى ظهور تشكيلات مسلحة مستعدة للقتل والسلب وإلحاق الضرر حتى بالآمنين، فهنا جوهر المسألة المثيرة للجدل حول تكوين شخصية الإنسان والمراحل التي تمر بها بسرعة قياسية لتنسف معرفة قبلية مختلفة عن ممارسة لاحقة. أوكرانيا اليوم، ليست حصراً، بل هي مثال لما حدث في لبنان خلال الحرب الأهلية ولما تشهده سوريا ومصر وليبيا واليمن والعراق وغيرها اليوم. هي مثال لحرب يوغسلافيا في التسعينات والإرهاب في الجزائر في تلك الفترة أيضاً. وما حصل بين الفصائل الفلسطينية في أكثر من حقبة. وإذا استطردنا كثيراً في تقديم الأمثال حول كيفية تحول الشخص من كائن هاديء الطباع مسالم محب الى كائن عصبوي كاره للغير يحمل بذور تنفيذ الجريمة في فكره ودمه، قد لا ننتهي، لأن هذه الذهنية البشرية القذرة بدأت منذ قتل قابيل أخاه هابيل. وهي ليست حكراً على مجموعة بشرية معينة أو منطقة محددة، بل إذا قرأنا التاريخ سنجد على الأرجح أن كل شبر على هذه البسيطة شهد ممارسات منعكسة لهذه الذهنية عبر كل العصور. السؤال الأبرز، لماذا لا يستحضر الإنسان عقله في الشدائد، فيستسلم لغرائز الأيديولوجيا أو العصبيات القومية والعشائرية أو لأبواق الشحن الطائفي والديني، وما الفرق بين هذه الشخصية التي ترتكب جرائم بحق الإنسانية لدواع عقائدية أو سياسية أو حزبية، وبين من يقوم بذلك مقابل بدل مادي على طريقة عمل المرتزقة. أو ذلك الإنسان الذي ينتشي بحمل السلاح ويستمتع برؤية دماء الآخرين تسيل أمام عينيه أو سماع أصوات عذاباتهم ووجعهم. لعل الجواب يكون أن الكل متشابهون هنا، الا في حال مقاومة الظلم؛ فمن هو مستعد للقتل أو للتعذيب أو لإحراق بيوت الناس وانتهاك أعراضهم ومصادرة حقوقهم وزرع الخوف في نفوسهم بحجج يمليها عليه “القائد” أو “الزعيم” أو من تسوغ له شرائعه الخاصة. وقد يطوع هذا الشخص أو من خلفه من جهات هذه الشرائع لتبرير أعماله، هو شخصية قذرة لا تمتلك ملكة الرحمة والإنسانية وشعور الأنا في مكان الآخر. هو سؤال معقد ونسبي، إذ أن من تراه مظلوماً يراه الجلاد عميلاً وخائناً يستحق ما يقوم به ضده، ومن تراه ظالماً، سيضع نفسه في مصاف “الأولياء” المدافعين عن الحرية والكرامة وحقوق الإنسان ومن غير الجائز أصلاً مناقشته فيما يقوم به من أعمال قذرة، لأن “الغاية تبرر الوسيلة” ومكيافيللي دائماً حاضر بـ “أميره” على طاولة السفاح ليقنعك بأنه يقوم بعمل إنساني رائع لمصلحة البشرية ونقاء الجماعة. لهذا ليس غريباً أن ترى غداً من كان بالأمس يحمل وردة لوالدته في عيدها أو لحبيبته خلال لقاء حميم، يطلق النار على الناس من غير تمييز ويمارس أقذر أنواع التعذيب بحق خصومه ويتباهى في الوقت نفسه بأنه أفضل “إنسان” قذر