- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

8 مايو 1945: إبادةٌ للجزائريين ونصرٌ للفرنسيين

NAssira نصيرة بلامين

أعلنت فرنسا غداة انهزام ألمانيا في الحرب العالمية الثّانية يوم الثامن من شهر ماي 1945 يوم نصر، وكان الجزائريون قد شاركوا في صفوف الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الثّانية وإنقاذها من الاستعمار الألماني. وقد وعدت السلطات الفرنسية الشّعب الجزائري بمنحه استقلاله إن قدم لها يد المساعدة في محنتها. وحسب ما ذكرته بعض الكتب التّاريخية والأرشيف فقد جنّدت فرنسا أكثر من 143000 جزائري مقابل 120000 فرنسي في الجيش نفسه لمواجهة الألمان.

إلاّ أنّ النّظام الفرنسي كان يميّز تمامًا بين مبادئ الجمهورية والضّرورة الاستعمارية، ولذا لم يكن مستعدًا بتاتًا للتّخلي ببساطة عن الجزائر واعتبرت وعدها للجزائريين مجرد إغراءات لدفعهم في الصفوف الأولى للجبهات الحربية والذّود عن العلم الفرنسي، وهكذا انخُدع مرة أخرى الشّعب الجزائري. وكردّ لهذا الاستخفاف من قبل السّلطات الاستعمارية الفرنسية، خرج الجزائريون للتّظاهر في الفاتح من ماي 1945 عبر أغلب المدن الجزائرية وتعالت الهتافات بـ”الاستقلال” مع اللّافتات المرفوعة، ورُفع العلم الجزائري في كلّ من عنابة وقسنطينة، كما كانت مسيرات في كلّ من قالمة وسطيف، وبلغ عدد المتظاهرين في مدينة سطيف ثلاثة آلاف جزائري رافعين شعارات “جزائر حرّة”. كما انفجرت مظاهرات في وهران ووصل عدد المتظاهرين في ساحة المدينة إلى خمسة آلاف متظاهر، الأمر نفسه حدث في الجزائر العاصمة.

ويقول جون لوي بلانش في كتابه: “سطيف 1945، بوادر مجزرة”: “في مدينة الجزائر تشكّل العدد الأكبر من المتظاهرين في شارع “إيسلي” (العربي بن مهيدي حاليًا) بغية الوصول إلى البريد المركزي (…) نزل موكب جماهيري ثان من حيّ القصبة مارًا بساحة “موقادور” (حريشات حاليًا) (…) ووصل موكب ثالث قادم من بلكور (سيدي امحمد حاليًا) وسط صخب كبير (…) وقد أطلقت الشّرطة وابلاً من الرّصاص برشاشاتهم”.

وبعد هذه المشادات الدّامية للفاتح من ماي 1945، قررت السّلطات الاستعمارية الاحتفال بالنّصر على ألمانيا يوم 08 ماي 1945، ويضيف جون لوي بلانش: “طلبت السّلطات تزيين الجزائر (…) بأعلام فرنسا وحلفائها ومنعت رفع أيّ علم. لكن هل يمكن في يوم كهذا تمجيد الشّعور الوطني عند البعض وكبحه عند البعض الآخر؟ ورفع الجزائريون المشاركون في الاستعراض فعلاَ العلم الجزائري مع أعلام الحلفاء بما فيها علم فرنسا وأخرى في مدن عديدة وكانت الشّرطة تنتزعه منهم بعد كلام صاخب وعنيف أحيانًا. وانضم الأوربيون إلى الشّرطة وقدموا لها يد المساعدة، وتحوّل تدخلهم إلى مأساة في سطيف صباحًا وقالمة بعد الظهر.(…) وكان لابدّ من مرور أكثر من نصف قرن لإثبات أنّ الحدث كان سلسلة من المجازر يعادل اتساعها اتساع عملية قمع بلا شفقة”. وكان طفل من الكشافة الإسلامية يرفع العلم الجزائري وباقات من الورود أوّل شهيد يسقط في هذه المجزرة التّي سجلت مقتل أكثر من 45 ألف جزائري.

وكانت مجازر 8 ماي 1945 دليلاً كافيًا للشّعب الجزائري على أنّ الاستعمار الغاشم لا يفهم إلاّ لغة السّلاح وقد مهّدت هذه الأحداث المؤسفة الطّريق للتّحضير لحرب الجزائر. وفيلم “معركة الجزائر” لـ”جيلو بونتوكورفو” الذّي أخرجه عام 1966 يعطي نظرة واضحة عن ظواهر البؤس والظلم والتهميش الذّي عرفه الشّعب الجزائري.

وعلى غرار مجازر 8 ماي 1945، شهد الشّعب الجزائري من قبل عمليات وحشية وجرائم إبادة، ففي 18 جوان 1845 قام “بليسييه” بإحراق قبائل “أولاد رياح” عندما احتموا داخل مغارة “غار الفرشيح” بالظهرة.

كلّ هذه الجرائم ضدّ الإنسانية وغيرها التّي ارتكبت في حقّ الشّعب الجزائري لم تعترف بها فرنسا إلى حدّ اليوم.