- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

حرية الإنتهاكات

Najat2014نجاة شرف الدين

في كل مرة يلتقي فيها الإعلاميون والصحافيون والباحثون من أجل مناقشة حرية الإعلام في العالم العربي ، يكون بند الإنتهاكات والقمع والحد من الحريات ، في أولويات النقاش ، كونه يشكل عائقا أساسيا في إمكانية تطوير وتحسين مساحة الحرية التي يعمل من خلالها الإعلاميون وفي مختلف المجالات المكتوبة والمسموعة والمتلفزة ، وفي كل مرة يظهر أن النقاش لم يستطع أن يغير في واقع الإعلام لا سيما على مستوى قوانين الحماية للصحافيين وتعامل السلطة السياسية الحاكمة .
كان لافتا ما تم نقاشه من عناوين في ملتقى المدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي الثالث  ، والذي إنعقد في عمان على مدى يومين وبمشاركة أكثر من 150 صحافي وإعلامي من العالم العربي  ، خاصة فيما يتعلق بالتحولات في المشهد والصورة بعد الربيع العربي ، وهو ما فتح الباب واسعا أمام إعتراضات على تسمية الربيع في ظل النتائج التي شهدتها معظم الدول التي عاشت وتعيش المتغيرات ، وربما كان تزامن صدور التقرير الذي نشرته منظمة ” مراسلون بلا حدود ” حول حرية الصحافة في العالم للعام 2014 ، قد قدم مادة دسمة لهذا النقاش ، حيث تم تصنيف الدول بحسب معايير محددة ترتبط  بتعرض الصحافيين الى العنف وتدخل الحكومات في عمل الإعلاميين ، وقد سجلت الدول العربية تراجعات عدة في التصنيف ، فمن بين 180 دولة ، كانت الكويت الدولة العربية الوحيدة في المرتبة 91 ليتبعها لبنان في المرتبة 106 ومن ثم تكر السبحة قطر 113وتونس 133 الى ليبيا 137 والأردن 141 ومصر 159 والبحرين 163والسعودية 164  واليمن 167وصولا الى سوريا 177 وغيرها .
هذه الأرقام طرحت تساؤلات عديدة تتجاوز الإعلام الى السلطة السياسية والتدخلات في الإعلام إغراء أو تهديدا ، ليذهب النقاش باتجاه السلطة المالية أيضا والتي تملك المؤسسات والتي تتناغم في بعض الأحيان مع السلطة السياسية لتشكل فريقا متكاملا يتقاسم المصلحة في الفساد ، ويستخدم الأجهزة الأمنية من أجل  الترهيب بحجة عناوين كبيرة تتعلق بالأمن القومي والمساس بالسيادة الوطنية ، ليضاف إليها أيضا غياب الوطن والدولة بالمعنى الحقيقي لوجود سلطة قضائية وتشريعية وتنفيذية منفصلة في عملها ، وتستطيع أن تحمي المواطن قبل الصحافي من الإنتهاكات مهما كانت ومن أي شخص أتت .
” الجحيم العربي ” كما سماه أحد المشاركين خلال مداخلته ، وعمليات القتل التي يتعرض لها الصحافيون وآخرها في سوريا حيث قتل 130 صحافيا منذ بداية الأحداث في العام 2011 ، دفعت  نحو إصطفافات تبرز مباشرة عند أول تعليق تدخل فيه الصراعات حتى بين الصحافيين أنفسهم ، والذين يحملون معهم آرائهم حيثما ذهبوا على خلفية إتهامات لمؤسسات إعلامية بوقوفها مع أو بوجه ثورات معينة ولا سيما منها سوريا ومصر .
إستقلالية الإعلام والإستقطاب السياسي وحرية الإعلام بين الخطاب الديني وشعارات الأمن القومي والإعلام وحقوق الإنسان ، عناوين عديدة طرحت أسئلة أكثر من طرحها للإجابات ، أو بغياب الإجابات في حالة الصراع والتجاذب السياسي ، وفي ظل الخوف على حرية الإعلام مع تصاعد التيارات الدينية وصولا الى خطاب الكراهية والذي  إنتشر في الإعلام بعد تحولات الربيع العربي .
صحيح أن النقاش كان مفيدا في طرح الإشكاليات وتعميمها على الحاضرين وتبادل الخبرات ، وصحيح أيضا أن الدول التي تعيش حروبا وصراعات وتوترات سياسية لا يمكن أن تشهد درجات متقدمة في مقياس حرية الصحافة ، إلا أن الصحيح أيضا أن غياب القوانين العصرية التي تحمي الصحافيين وتواكب تطور الإعلام ستسمح باستمرار حالة الإنتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون في العالم العربي  لا بل ستحصل على درجات مرتفعة في مقياس حرية هذه الإنتهاكات …