- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

“بائع الحكايات” لستراسبورغر: الشرق بنظرة أوروبية

vendeurمعمر عطوي

من يقرأ رواية الكاتب البولندي ستانيسواف ستراسبورغر، “بائع الحكايات” التي صدرت حديثاً عن دار الآداب في بيروت، يتعمق أكثر في مسألة نظرة الغربي إلى الشرق، وسحر هذا الشرق الذي يجعل موظفاً أوروبياً في شركة غاز سورية تعمل في الصحراء، بائع حكايات بامتياز.

في هذه الرواية التي كتبها ستراسبورغر، بلغته الأم، بالرغم من أنه يجيد العربية، وترجمها جورج سفر يعقوب، يقارب الكاتب الذي يعمل في مجالات التبادل الثقافي بين كل من بيروت ودمشق وبرلين ووارسو، المشهد الشرقي من خلال رؤية جيوفيزيائي بولندي يعمل في شركة للتنقيب عن الغاز في شمال سوريا. لكن هذا الموظف ميريك، يختار أن يقوم بجولة في المنطقة فيزور العديد من الدول على طريقة الباحث الإناسي الذي يدرس المجتمعات وعلم الانسان.

ينسج ميريك حكاياته الخاصة من خلال شبكة علاقات اجتماعية مع أصدقاء وصديقات عرباً وغير عرب. ينقل يومياته في دمشق والعقبة ومشاعره التي تقف على حافة الحب مع جميلة الطرابلسية أو مليحة الإريترية المحجببة التي تدرس في دمشق والتي تتعاطى مع ميريك كصديق لكن في رسائلها تظهر كم هي شغوفة به كفتى أحلام. لعل فارق الدين يجعلها تتصرف بازدواجية أحياناً. وهنا يظهر العنصر الأبيض وتأثيراته على نساء الشرق كما يحاول الأوروبي تصوير نفسه في الأعمال الأدبية والأفلام التي تتناول موضوعات الشرق والغرب.

يقابل ميريك أشخاصاً عديدين يتحولون الى عناصر أساسية في الرواية مثل كريم، وجميلة اللبنانية التي تسكن في الأردن وتدرس في دمشق، ومليحة ووليد وهارون بواب الفندق الذي ينزل فيه ميريك في العاصمة السورية، وسليم الأردني والعقيد المتقاعد رشيد، ويان المشرد، وميكواي مدرس اللغة العربية، إضافة الى آخرين يشكلون جميعاً عناصر الرواية ويوميات الموظف البولندي الذي يحاول أن ينسج ذكرياته بطريقة سلسة لكنه في بعض الأماكن يخضع للعبة التكرار والحشو فيسبب الملل للقاريء.

مثل الحوارات الـ 34 التي لم تخدم النص الروائي بما قد يمثله من وحدة الحبكة والسياق الدرامي الذي فقد تناسقه في استطرادات وشذرات حكايا لا أهمية لها. هنا قد تضيع بوصلة القاريء في متابعة رحلة الكاتب في هذا الشرق ومعرفة تأثره وتأثيره في محيط لا يزال ينظر الى الغربي وكأنه شيء مثالي مختلف قد يساعد في تقديم لجوء سياسي لمواطن عربي قرف بلده ويسعى للهروب من الاستبداد السياسي والاجتماعي، أو فتاة تبحث عن قبول جامعي في وارسو لتتخلص من الذهنية الذكورية والنظام الأبوي والنظرة الفوقية الشهوانية للمرأة.

ثمة مسألة حاول الكاتب تمريرها بطريقة سريعة حين ينقل عن لسان جميلة كلاماً ايجابياً عن “اسرائيل المتحضرة” و”المتمدنة” والفلسطينيين “الرعاع”. لا أدري إذا كان تمرير هذه الجملة قد جاء في سياق نقل مشاهدات واقعية أو على طريقة دس السم في الدسم، كما يحلو لبعض المستعربين أن يكتبوا حين يتناولوا القضية الفلسطينية وربيبة الغرب المدللة “إسرائيل”. مع أني ومن خلال معرفتي القليلة بالكاتب أخذت الموضوع على محمل حسن على أنه سمع هذه التمجيد بدولة استيطانية، بالفعل، من البعض الذين يحبون جلد الذات أمام الآخر.

في أي حال ما قام به ستراسبورغر عمل رائع يمثل مشاهدات قد تكون في جزء كبير منها واقعية، وقد تمثل جزءًا من تجربة الكاتب الشخصية في هذا الشرق الفاتن الذي ينتج الكثير من الحكايات، وما أكثر بائعيها.