- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

هواتف ذكية تصنع غباءنا

Attwi Moammar 2014معمر عطوي

غريب هذا العالم الإفتراضي كيف يستلب إنسانية الشخص ويجعله عبداً للوحة من الأزرار التي تؤمّن له تواصلاً مباشراً بالصوت والصورة والكتابة مع أي مكان على البسيطة، حتى باتت مقولة تحول الكون إلى قرية واحدة مقولة واقعية تتعزز بما نشاهده ونلمسه من توسع دائرة العلاقات الإجتماعية الإفتراضية والإستعداد لتلقّي كمية أكبر من المعلومات في دقائق قليلة.

لا شك أن ثورة بكل المقاييس قد حدثت في عالم التكنولوجيا الرقمية والهواتف الذكية، لكن هل هذا الذكاء الفائق الذي نشهده اليوم أضحى أمراً عادياً غير محل استهجان، بالرغم من أننا من جيل لم يكن معظمنا يملك في بيته حتى الهاتف الثابت.

الأمر بالفعل يستحق أحياناً التفكير في القيمة المُضافة التي قدمتها هذه الثورة على مستوى الإنتاج الفكري، أو على صعيد العلاقات الإجتماعية التواصلية المباشرة. إذ تقوم جحافل من جيوش الهواتف الذكية بصناعة غبائنا وكشف مدى ضعف إرادتنا رغم الكثير من الإيجابيات التي لا تُعدّ ولا تُحصى، حسب طريقة ووجهة الإستخدام.

في الحصيلة ورغم كل التسهيلات التي قدمتها هذه التكنولوجيا للباحثين وللناس العاديين الذي وجدوا وسيلة يتواصلون من خلالها مع أصدقائهم وأقاربهم، إضافة الى أصدقاء إفتراضيين في عالم آخر، إلا أن دقائق معدودة من التأمل في سيطرة هذه الأجهزة على حياتنا قد تخفف من غلواء الإنبهار بما أحدث نقلة نوعية كبيرة في حياتنا المهنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والتربوية.

ثمة تأمل لا بد منه لمعرفة مدى أهمية أو ضرورة أن نهرع صباحاً ومن دون أي تفكير إلى شاشة الهاتف، الذي قد ينام أحياناً على مسافة أقرب من الشريك في الفراش، لقراءة رسائل “واتس آب” أو تعليقات ومشاركات “فايس بوك” أو أي انذار برسالة جديدة من مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تُحصى.

نكتشف بعد الانتهاء من التصفح أن الوقت الذي استغرقناه بين قراءة تعليقات ووضع إعجابات أو ردود أو مشاهدة صور ومشاركة مواضيع، قد تجاوز وقتاً يمكن خلاله مساعدة الإبن أو الإبنة في كتابة فروض مدرسية، أو قراءة جزء من رواية أو سماع مقطوعة موسيقية كلاسيكية، وأحياناً إذا أحصينا كم من ساعات نضيّعها على ما لا طائل منه نكتشف أن انجازات كبرى كان يمكن أن نصنعها خارج عالم السيبر.

بالفعل هناك الكثير من الوقت الضائع الذي يؤكد أن هذه الثورة هي عملية اجتثاث للإنسان في داخلنا ووضع آلة مكانه. بمعنى ألينة البشر وجعلهم عبيداً للأجهزة يمشون وراءها مثل الإمّعة من دون تفكير ولا شعور بالمسؤولية البشرية تجاه قضايا عديدة هي أهم وأكثر فائدة للذات وللآخرين، مع الإقرار بأن هذه الأجهزة ضرورة لا بد منها في حياتنا المهنية واستمرارية تواصلنا مع الآخرين.