- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

فخامة الغاز

 fida1فداء عيتاني

قلما تختلف المكونات اللبنانية عن بعضها بعضا في ادارة امورها، وامور بلادها وعلاقاتها المحلية البينية، الاختلاف هو في الخارج، على من سنتكل حتى تتمكن شوكتنا، وفي هذه المعادلة دائما ما يطيح بمعتمدها ايا كان.

ها هو رفيق الحريري الذي لم يكن مختلفا بالكثير مع حزب الله يموت على قارعة الطريق نتيجة موقف من الاحتلال السوري المتمادي للبلاد، وها هم الموارنة لا يزالون يدفعون ثمن وقوف الكتائب اللبنانية وباقي الاحزاب الى جانب الغرب ضد القضية الفلسطينية والى جانب اسرائيل، وها هم الشيعة في بداية مرحلة العزلة التي يبدو انها ستطول نتيجة موقف حزب الله وحركة امل من الثورة السورية.

اما الموقف من الادارة الداخلية للبلاد ومكوناتها فهو امر يسير، لم يختلف حزب الله ورفيق الحريري طويلا على نهب البلاد، واخفت وحدة الصف الشيعي ادارة النهب التي قامت بها حركة امل، ولا يكاد يختلف ميشال عون وسمير جعجع بشيء في الشعارات المحلية، الفكرة الدائمة حول الرئيس المسيحي القوي واعادة الصلاحيات (والتاريخ) الى المسيحيين، كل ذلك متفق عليه، لا بل من المسلمات، الاساس ومدار البحث هو على اي خط توتر خارجي نضع اشرطة ازماتنا المحلية.

يعتقد تيار المستقبل انه يناصر الثورة السورية (بكل اخطائها) دفاعا عن موقعه في لبنان، ويرى حزب الله انه يقاتل “التكفيريين” في سوريا دفاعا عما حققه في لبنان، وبين الطرفين الاكبر في الازمة (السنة والشيعة) فان المسيحيين يعيشون انقساما يجعلهم يدورون على العواصم قبيل ايام من انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس العتيد.

الا ان العواصم ليست مهتمة بالشأن اللبناني، ولا حتى بالشأن السوري، يتوهم كثر بان الغرب والشرق يتصارعان في سوريا بغية تحقيق انتصار، مدعومين من قوى السعودية والخليج وتركيا وايران وكوريا، في الحق فان حرب استنزاف طويلة تجري هناك، لن يدفع فيها الغرب اكثر من حبر البيانات والادانات، عدا عن دماء الشعب السوري، والعواصم مهتمة اولا بعدم انتصار الثورة السورية، والغرب معني باستنزاف روسيا ومن خلفها ايران وباقي المنظومة فق لا غير، واعتقاد اللبنانيين بان هناك انتصار قريب في سوريا هو من شيم اللبنانيين وحدهم في ادارة السياسة على قاعدة الرهان وليس الحساب والمصلحة.

الرئيس ليس هنا الان. ميشال سليمان، رئيسنا الحالي ايضا ليس هنا، لم يكن هنا منذ زمن طويل، ولا يمكنه ان يحضر طالما الطوائف تدير صراعاتها الباردة، هو مجرد استكمال لديكور قصر بعبدا، تم تعيينه بمنصب رئيس الجمهورية في الدوحة اثر ضربة السابع من ايار العام 2008، اليوم مطلوب تغيير الاثاث، ومن ضمنه ميشال سليمان، ثمة متغيرات حصلت، لن يكون هذا الرجل ملائما لها.

مهلا قد يرى الرجل القاطن في بعبدا انه يصلح لزمن اخر وللمتغيرات الجديدة، يمكنه ان يقرض الغرب مواقف متماسكة، ويمكنه ايضا ان يوقع على الكثير من الامور، الغاز مثلا، ذاك الغاز على الشواطئ اللبنانية، وهو وحده ما يثير اهتمام الخارج، فليأخذ لبنان الموقف الذي يريده تجاه الثورة السورية، وتجاه واشنطن، لا فرق، لن يتغير شيء في المعادلات الرئيسية في الصراع، ولكن الغاز، هناك من عرض حمايته، انها المقاومة، وهناك من يعرض بيعه بابخس الاسعار، ويمكن للرئيس سليمان ان يوقع على الامر.

وللاسف هنا ايضا المنافسة شديدة، العماد عون خبير بالغاز، او قل ان زوج ابنته خبير بادارة صفقات النفط والغاز وغيرها، وهو مرشح غير معلن الا بحال تم التوافق عليه، هناك ما يدفع سعد الحريري على تسويق ميشال عون، رغم اصرار كتلته على تسمية سمير جعجع مرشحا رسميا وحيدا لها، امين الجميل ايضا خفيف الحركة وسريع التوقيع، الغاز؟ ولما لا؟ سبق ان وقع على دفع بدل قذائف نيو جرسي على الجبل في العام 1983، هو مغرم بالبحر، وبما يأتي به البحر، سواء اكانت تلك قاذفات قنابل او حاملات طائرات او منصات نفطية.

الا ان الامور ليست بهذه البساطة، ليست المسألة مسألة استدراج عروض بالظرف المختوم ولا رهانات على طاولة يخفي كل مرشح فيها اوراقه، انها تشابك ما بين المصالح المتعارضة والمتقاطعة للشرق والغرب، وما بين تسويات صغيرة وازمات كبيرة، يمكنها ان تضع رئيسا مؤقتا للبلاد، كما كان رئيسنا ميشال سليمان، وكما كانت التسوية السورية الاميركية السعودية مؤقتة من العام 1991 والى العام 2005.

الاكيد الوحيد ان الرئيس المقبل هو رئيس نهب الغاز، كما كان لكل رئيس مأثرته في نهب البلاد او مواصلة ادارة نهبها، منذ بدء الجمهورية اللبنانية وحتى اللحظة، انها جمهورية موز تتحرض لتصبح مشيخة غاز. ابشر.