زاهر العريضي
القطة الصغيرة التي تنتظرني أمام الباب. أحمل لها قليلاً من الطعام. تبتسم لي مع صباح حائر.
حتى الصباح مثلي لا يعرف ماذا سيكون اليوم. لكنه يمضي .
لو أنك جلست أمام النافذة ودخّنت كل سجائرك وعبثت بالغيوم. الحياة ستعبر مع مطر أو من دونه.
لو أنك كبست زر التلفاز، ستغرق حتماً في تفاصيل الموت. الحياة ستمضي بانفعالك ومن دونه.
القطة تأكل وتتجاهلني وينتفخ بطنها. غداً لن أحمل اليها الطعام.
النهار هنا خطواته بطيئة إلى حد اليأس. وفي أماكن أخرى.. الزمن يتسابق مع الفراغ.
حين كنت صغيراً كنت أحلم بملامح ووجوه.. حين كبرت اكتشفت أن الأحلام خدعة أحياناً تكون جميلة. لم أرَ كل هاته النساء التي وعدت بها نفسي.
الإقدام بحاجة إلى حذاء.. ولا أدري لماذا كان أهلنا مهووسين بقبّعاتنا. طالما البرد لا يميز بين الرأس والقدم.
القطة تحاول أن تلاعبني و”تتغنج” كإمرأة شقراء.. وتغريني بحركاتها. غريزتها تلهمها إلى الإبداع لاقتناص القليل من الجبنة الفرنسية. وتتجاهلني بعد ذلك.
لماذا كل هذا الضباب والتشتت. حاول أن تكتب أفكاراً مترابطة، النقاد يحبون الأخطاء والهفوات لولا ذلك لا مبرر لوجودهم.
لكن من قال إن الأشياء المثالية هي الأشياء الأكثر إبداعاً وجمالاً.
المخاطرة لعبة البهلوان في السيرك. المتعة أن لا تفقد الدهشة.
حسناً، هل هربت القطة؟ ألم يستهوها طعامك؟ من تنتظر أن يطعمها؟.
ها هي القطة كبرت، ولم تتعلم الاصطياد.. واكتشفت الخطأ التي ارتكبته! الاعتراف أن لا تجلد نفسك.
لماذا كل هذه الثرثرة بعد منتصف ليل لا يُقرأ سوى عتمته.. ويتباهى في قمر بعيد لا يضيء سوى غيمة لم تقرر بعد السقوط أو العبور.
أنت تعبر وتموت. ما الذي أخذك إلى الموت؟. عد إلى فراشك. انتظر آخر قدح وسجائر بتبغ وورق اللف.
الآن يمكنك أن تتخيل كل النساء اللواتي كنت تحلم بهن.
الأزرار تنفك، دقات القلب تتسارع.. سمراء كليل يغرق في العتمة.
القمر يسطع ويتدلى الرمان. طعم الرمان في لعاب لساني وأمضغ خصرها وابتلع نهداً كاملاً مشوّقاً.. وانتفخ من شدة التوتر!
الحرب ليست بهذه السهولة التي تظن. القلق يطاردك وينهك أعصابك وتتذكر؛ لماذا الذاكرة حقيرة بعض الأحيان؟!
القطة تعود إلى الدار. الزهور يابسة، وقهوتي احتساء سريع.. ولا أكترث إلى كل القطط.
حتى للقطة الشقراء قصة! كأنها تعلم تماماً بأنني ساكتبها.
هي متوترة وخائفة وقلقة مثلي. حين تغامر تحاول أن تضع جانباً كل الأفكار السيئة.
ولكن في المقامرة سيخرج أكثر من وجه ليؤنّبك وتختنق من حضورهم.
الآن من سيتقدم أمامك ويقول: الأمر لي. أي ملامح ستخفي من وجهك؟
لا يمكن أن تقف متفرّجاً وتّدعي كل هذه الهلوسات.. وتنسكب في خمرك قبلاتها.. وتمسك مؤخرتها!
هنا نصف الكرة الأرضية وتغمض عينيك. وميض فعل الطاقة من أعماقك يتصاعد إلى التخمر في الجمجمة.
خذ حبرك ودوّن على أوراقك العتيقة: وطن ينتحر يسقط من الكعب العالي. يكفي هنا النهاية.
هرطقه.. وانفلات.. وعبثية.
ابحث عن الشخصيات.. والخيط الرابط.. والحبكة المتناسقة في انسياب ممتع ومفيد.
اشعل سيجار وتمتع بالمشهد على الطرف القريب من يدك اليسرى.
الأحلام خرافات غبية. عد الى رشدك.
صدى آخر يسقط فوق رأسي. استمتعت في سريرك، هل نكررها قريباً؟ ومن يدري! عبثاً، سأجد الطريق اليك ولو بعد حين.
من هذا المزعج الذي لا يتوقف عند كل خطوة ويخاطبك؟. النهاية هنا.
من همس في أذنك هذا النوع من النهايات المتوقعة؟. قط شارد في المدينة يبحث عن مزبلة بعيدة يقتات فيها من دون خوف. يؤلمه هذا التلوث والصخب والرصاصات الطائشة. يخاف من تفجير عشوائي ينهي تشرده بطريقة حزينة، ويردد القط الشارد كيف أجوع والمدينة مزبلة كبيرة؟!
زاهر