باريس- نصيرة بلامين
بين وجهتين اثنتين، “بروكسل” و”سان نازير”، انتقل مرشح الحزب الاشتراكي للرّئاسة الفرنسية، فرانسوا هولاند، هذه المرّة إلى ضاحية “مانت لاجوليه” التّي وصلها مع إشعاعات الشّمس السّاطعة، وقصد مباشرةً حي “فال فوريه” الشّعبي، حيث تقطن جالية مغاربية وأفريقية كبيرة، وغيرها من الجاليات. والتقى بارتياح مع بعض أفراد سكانها وكان له معهم حديث مباشر، كما حاوره شلّة من المراهقين، أعضاء في ورشات الصّحافة.
وكان هدف هذه الزّيارة تحفيز شباب أحياء “مانت لاجوليه” للتّسجيل في لائحة الانتخابات قبل 31 من شهر كانون الأوّل/ديسمبر ، وبابتسامة عريضة، تلقى دفعات من الأسئلة الحسّاسة كان من بينها: “على فكرة، مارتين أوبريه لا زالت تساندك؟”، أو “لقد خسرت ثلاثة نقاط في استطلاعات الرّأي، كيف تنوي تداركها؟”، و”ما هو الفرق بين اليسار واليمين؟”.
وبين مراوغة حاذقة في تفادي الأسئلة وعباراتٍ سلسة، بقي فرانسوا هولاند على الرّغم من ذلك وفيّاً لخطابه المتوقّع: ” يجب أن لا يُمنع أحدكم من الانتخابات الرّئاسية، أكان ذلك بسبب اختلافه الثّقافي أو الدّيني أو العرقي أو غيره، أو بسبب افتقاده للمعلومات بشأن هذه الانتخابات”. وخلال حديثه مع سكان هذه الضاحية اتّهم فرانسوا هولاند الحكومة بعدم تحضير حملة انتخابية وطنية في هذا الموضوع، وأضاف قائلاً: “بدون شكّ كان من الممكن أن يبدو الأمر سهلاً جداً”.
رهان الانتخابات الرّئاسية في الضواحي بشكل عام كبير ويجب أن لا يستهان به، بحيث يستلزم على المرشّح الاشتراكي أن يثبت للطّبقات الشّعبية أنّه “لن ينساهم”. فأصواتهم ضرورية لإنقاذ أوروبا من الأزمة، ولكن أيضاً لإعادة البلاد نحو التصنيع والانتاج، وهي نقطة يعتبرها فرانسوا هولاند من “الأولويات” كما نوّه بذلك خلال تفقده لورشات مصانع. وهو يقوم حالياً بجولة عبر أوروبا لتقديم برنامج الخروج من الأزمة الاقتصادية.
واعتبر فرانسوا هولاند أنّ أصوات الطّبقات الشّعبية “شرطاً شرعياً”، وأضاف خلال زيارته لـ«حمام تركي»، بعدما عرج على سوق شعبية: “يجب أن يكون المرشّح المنتخب بغالبية يعكس التّركيبة الاجتماعية لفرنسا. من واجبنا أن نتنقل بين الأحياء الشّعبية والمجتمعات السّكنية وحتّى إلى قلب مدن الضواحي”.
وتبدي عيّنة استطلاعات الرأي لشركة “أوبنيون واي” الأخيرة، أنّ منافسة هولاند، مارين لوبان، مرشّحة اليمين المتطرّف، يمكنها الحصول على 16% من الأصوات في الدّورة الأولى للرّئاسيات، لكن الحزب الاشتراكي يقول إنّ رئيسة حزب اليمين المتطرّف لا تملك هذه المكانة كما هو شائع، ويبدو أنّ خطاب هولاند يقع على أذان طرشى في حيّ “فال فوريه”، حيث العديد من الأطر، المصدومين من انتخابات 2002 حين حل لوبين الأب ثانياً ولم يصل الاشتراكي جوسبان إلى الدورة الثانية، يؤكدون أنّ “نيّة التّصويت لصالح مارين لوبان تفوق 20%ّ”، ويضيف أحدّ الوجهاء: “إذا ما تجاوزت عتبة 20%، من الصّعب إعطاء رؤية واضحة للثّلاثي الذّي سيتصدّر الدّورة الأولى للرّئاسيات”.
فهل حقّاً تكون مارين لوبان عقبة في حيّ “فال فوريه”؟ المرشّح الاشتراكي يطمئن ويقول بدوره إنّ حزب اليمين المتطرّف هو: “خدعة سياسية تجاه الطّبقات الشّعبية”، ويضيف مؤكّداً: “لا يمكننا أن نخطو بالبلاد إلى الأمام إذا طبقنا سياسة “فرّق تسدّ” بين مختلف الفرنسيين. مارين لوبان تحاول استغلال ضعف المقصيين والقلقين على مستقبلهم، إنّها تسير على خطى والدها كما كان يفعل سابقاً، إنّه المنهاج نفسه، وهو زعزعة أرضية الخوف والقلق، وتحفيز كراهية الآخر. بالنّسبة لي لا فرق بين خطاب مارين لوبان وخطاب والدها، هو خطاب موروث”.
من جهة أخرى، لم يتناس هولاند تذكير سكان “فهذه الضاحية الشهيرة بثوراتها” بـ”نمط عيش” مارين لوبان التّي تقطن في “سان كلو”، أحد أرقى مدن الضاحية الغنية في غرب باريس وقال: “أشّك أن تكون مدينة “سان كلو” صورة للطّبقات الشّعبية، لنكفّ عن الاعتقاد أنّ مارين لوبان تمثّل صوت من لا صوت له، إنّها مجردّ عقبة وطريق مقطوعة”.
وقد أقسم هولاند متوعداً: “سأذهب إلى جميع أحياء “مانت لاجوليه”، وأتفقد أولئك الذّين تمّ تجريدهم من حقوقهم والمنسيين والمهملين والمهمشين والمقصيين. الكثير منّا يسمونهم بالمنسيين، لكنّني لن أنساهم”. وعدا بعض المشاريع الاشتراكية التّي اقترحت لحدّ الآن، لا زالت بعض الاقتراحات المجسّدة لم يتم الإفصاح عنها”.
ويقوم فرانسوا هولاند بعرض مشروعه مطلع شهر كانون الثّاني/ يناير من السّنة الجديدة.