- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

ذاكرة موسمية

Attwi Moammar 2014معمر عطوي

ما يحيرني أمام هذا المشهد العربي المتداعي، هو مدى انغراس العاطفة في حقلنا وطبيعة هذه العلاقة المبهمة بينها وبين لغة النفاق السياسي المجلجلة بالمزايدات “الوطنية والعروبة والقومية” حتى باتت أدبيات كل مرحلة من مراحل تطورنا الزمني تخرج بطريقة هي أشبه بالموقف السياسي الديبلوماسي من أن تكون نسيجاً اجتماعياً ثقافياً يشكل جزءاً من كينونتنا.

ولعل ما نشاهده اليوم من صخب يتلمس لذاته صفات العروبة والإنسانية لهو دليل على حجم المأزق المعرفي الذي نعيشه، خصوصاً على مستوى علاقتنا بهويتنا وخصوصيتنا، وتماسنا مع الأخر سيما العدو.

فثمة صيغة يتم تداولها بين من يعتبرون أنفسهم نخبة المجتمع السيا سية والثقافية في الوطن العربي، تبعث على الغثيان إن لم نقل التقيوء، بدلاً من ان تقنعنا بمصداقيتها وبجدية تعاملها مع المرحلة.

ولا أدري كيف يمكن لهذه النخب أن تتصدر حملة المزايدات بالوطنية والعروبة والعداء للصهيونية كلامياً- مع وقف التنفيذ- في هذه المراحل المحروقة من دون غيرها. ولا أستطيع أن أفهم كيف يمكن لمثقف أن لا يعرف وجه العدو البشع الا بعد سلسلة طويلة من المواقف المتشدقة بـ”السلام والواقعية السياسية وبالحوار مع الأخر..”.

كيف يمكنه الانتقال الى الشريحة الواسعة من الأمة في ظل سطوة طرف وتغلّبه على طرف، بما يعني أن هذه القناعة الجديدة أو التطبيل الجديد، لا علاقة له بفهم مكوّنات عدونا العقائدي والأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، بقدر ما يتعلق بإيجاد مقعد على ما يعتقده مركب النجاة.

وكأنه لم يقرأ ما كتب على جدار “الكنيست”(حدودك يا اسرائيل، من الفرات الى النيل)، أو كأنه لا يعرف جوهر تلمودهم المليء بالترهات وبدعوات القتل.

من المعيب التعاطي مع القضايا المصيرية موسمياً فقط، بحيث لا يتم تحريك الذاكرة إلاّ بعد أن نرى مئات المجازر . وما هذا الغياب الذي نعيش في ظله سوى تأكيد لما قاله موشي دايان “العرب لا يقرأون واذا قرأوا لا يفهمون واذا فهموا سرعان ما ينسون”.

انه حقاً بؤس المعرفة، وبؤس الثقافة، وبؤس الإنسانية، أن لا يتحرك شعورنا ولا يتم إدراكنا لجوهر قضايانا، إلا بعد أن نرى آلاف الليترات المكعبة من الدماء السائلة على قارعة انكساراتنا وهزائمنا. وبعد أن نرى مئات الأطنان من حجارة بيوتنا تسقط فوق جماجمنا.

هل نحتاج في كل عام الى نكبة جديدة أو اجتياح جديد حتى ندرك أن هناك عدواً يتربص بنا؟.