باريس – بسّام الطيارة
يبدو أن مسألة قانون تجريم إبادة الأرمن، الذي سنه البرلمان الفرنسي واستجلب ردة فعل عنيفة من تركيا ما زال في بداية طريق التجاذبات بين باريس وأنقرة، وسوف يترك آثاراً عميقة في العلاقات بين البلدين على كافة الأصعدة.
فبعد أن أخرج معارضو القانون تاريخ فرنسا في الماضي والمجازر التي حصلت في الدول التي استعمرتها، ها هم مؤيدوه القانون يخرجون ماضي «تركيا الحديث»، ويحاولون تحريك الشعور الطائفي لدى يهود فرنسا عبر التلميح بـ«التهديدات التي وجهتا تركيا لإسرائيل».
باتريك ديفدجيان، (Patrck Devedjian) وهو من أصول أرمنية ومقرب (سابقاً) من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي (Nicolas Sarkozy) والذي «ورث» موقع هذا الأخير كرئيس منطقة «هوت دي سين» (Hauts de Seine) وكان وزيراً في أول حكوماته والذي يقال أنه «همس في أذن الرئيس» عام ٢٠٠٧ بتشريع تجريم نفي إبادة الأرمن، ديفدجيان «تشاجر» مع ساركوزي الذي أراد تعيين ابنه كرئيس هيئة إعمار في منطقة «هوت دي سين» الغنية حيث أحياء الأعمال والمنطقة الوحيدة التي يسمح فيها ببناء ناطحات سحب على طريقة مانهاتن. بالطبع فشلت محاولة توريث الابن ودب الخلاف مع ديفدجيان الذي «أٌخرج» من الحكومة ودفع حزب الرئيس بمرشح لمواجهته في انتخابات المناطق الأخيرة. إلا أن ديفدجيان استطاع تجاوز القطوع ونجح رغم أنف الرئيس والحزب الحاكم. يقال أن هذا كان كافياً كي يسامحه الرئيس لأن ساركوزي «يحب المقاومين الأقوياء»، وخصوصاً أنه أثبت وجوده كقوة انتخابية وفرنسا على أبواب الانتخابات. وزاد هذا العامل من قوة تأثير ديفدجيان الانتخابي وصوته الذي يصل بعيداً لدى الجالية الأرمنية التي تعد بنصف مليون ناخب.
وقد أجرت صحيفة «لو جورنال دو ديمانش» (Journal de Dimanche) مقابلة مع ديفدجيان الذي أعلن عن سعادته لأن «اليمين واليسار صوت مع القانون»، وعندما سئل عن قول أوردوغان بأن القانون «سيفتح جروحا مع فرنسا يصعب أن تندمل» أجاب بأن «إبادة الأرمن هي جرح لن يندمل». واستطرد «دعونا من القومية التركية فهي ليست موضوع اليوم». ولكن عندما سئل عما إذا كان من الممكن «الابتعاد عن تركيا وهي شريك مهم في المنطقة؟» أجاب مباشرة «بأن على تركيا أن تصبح شريكاً ديموقراطياً إذا أردت أن تعيش مع المجموعة الأوروبية». وتابع بأن على تركيا «أن تتعلم أساليب غير أسلوب العنف الذي تظهر به دائما». وتابع، في محاولة لتوسيع دائرة الخلاف مع أنقرة، «إنه بلد هدد اسرائيل منذ أسابيع قليلة، يهدد يومياً قبرص وأقفل حدوده مع أرمينيا ويحاصرها وهو أيضاً هدد بغزو شمال العراق» قبل أن ينهي بالقول «وها هي تهدد بغزو سوريا». ثم استنتج بأن الأتراك يحاولون استرجاع «الامبرطورية العثمانية». وأشار إلى أن التحرك التركي ينقلب ضدها، وخصوصا أن الأعلام التركية التي رفعت أمام البرلمان. وواصل بالقول «يكفي هذا». وتابع «لم نر قبلاً بلداً يحاول مع بلداً آخر من سن قوانين». ورداً على سؤال الصحافي ما إذا لم يكن خطراً «كتابة التاريخ بسن قوانين» سأل ديفدجيان «هل من الضرورة جمع لجنة مؤرخين لإثبات أن المحرقة بحق اليهود كانت أم لا؟» وأن كل هذا مبني على وقائع ثابتة ومثبتة «وهكذا هي إبادة الأرمن». واعتبر أن القانون هذا «خطوة سياسية لا يكتب تاريخاً وأن على تركيا أن تتوقف عن تسويق نفي الإبادة خصوصاً أن تركيا لديها قانون يجرم تأكيد الإبادة».
وحول إمكانية أن يفتح هذا الجدل ملف المجازر التي ارتكبتها فرنسا قال «إن فرنسا تواجه التاريخ بشجاعة اعترفت بحادثة فيل ديف» (Vel d’Hiv) في إشارة إلى مئات من اليهود الذين تم تجميعم من قبل السلطات الفرنسية في محطة قطار قبل إرسالهم إلى المحرقة، وأضاف بأن «فرنسا تواجه تاريخها في الجزائر» في إشارة إلى عشرات الأعلام الجزائرية التي رفعت أمام البرلمان الفرنسي عندما كان النواب يصوتون على القانون، إلا أنه وصل إلى نتيجة مفادها بأن «على تركيا أن ا تعطينا دروس» وأن فرنسا تستطيع مخاطبة الدول التي تضررت من سياستها الاستعمارية من دون أن تتدخل أنقرة.