يجلس زيد عبد الوهاب وامامه صديقه وحدهما في مطعم شعبي في وسط بغداد بانتظار وصول الطعام الذي طلباه، يراقبان شارعا عادة ما يكون مزدحما عند منتصف النهار، غير انه الان فارغ من المارة والسيارات.
ويقول زيد (33 عاما) الذي يعمل صحافيا ان “بغداد فارغة منذ يومين. المواطنون لا يخرجون ولا يوجد احد في الشارع. الناس خائفة والمسلحون باتوا على بعد 90 كيلومترا، يعني عند اطراف العاصمة، وقد يدخلون على غفلة”.
ويضيف فيما يهم شخص في توزيع قطع من الكبة العراقية على الطاولة البيضاء “فعلا لا نعرف ماذا يحصل. اين الجيش الذي انفقنا عليه البلايين؟ كيف يترك جيش مدافع وطائرات في ايدي مسلحين؟”.
وتابع زيد “انا شخصيا خائف على نفسي وعلى عائلتي. لماذا لا اخاف؟ لو كان هناك مكان اسافر اليه ولو كنت قادرا على ذلك لسافرت اليوم ولما بقيت في بغداد”.
ويعيش العراق منذ يومين على وقع صدمة سقوط مدينة الموصل (350 كلم شمال بغداد) ومحافظة نينوى في ايدي مسلحي تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش)، اقوى المجموعات الجهادية المقاتلة في العراق وسورية، بعد انسحاب الجيش منها.
وبعدما احكم المقاتلون المتطرفون قبضتهم على مدينة الموصل عاصمة الشمال، تمكنوا من السيطرة على تكريت (160 كلم شمال بغداد) مركز محافظة صلاح الدين وبعض النواحي الواقعة الى جنوبها، وبلغوا منطقة الضلوعية التي تبعد نحو 90 كلم عن شمال العاصمة.
ودعا الناطق باسم “داعش” ابو محمد العدناني في تشجيل صوتي مقاتليه الى مواصلة “الزحف” جنوبا نحو بغداد ومدينتي كربلاء والنجف الشيعيتين.
ويروي زيد انه توقف قبل يومين عن التوجه الى عمله المسائي، واصبح يلتزم بعمل صباحي فقط. ويقول “هناك نقاط تفتيش في بغداد انسحبت، حتى السيطرات قل عددها وبتنا نسمع اطلاق نار في المساء. ما يحصل في البلاد لم نر مثله منذ العام 2003، واصبحنا نعيش على وقع صدمة وقلق وخوف لم نختبرهم منذ ذلك العام”.
وبدت شوارع بغداد اليوم اقل ازدحاما مما تكون عليه عادة، حتى ان بعض المحلات التي نادرا ما تغلق ابوابها في منتصف النهار، فضل اصحابها عدم التوجه اليها وابقائها مغلقة.
وقال مصور صحافي يعمل في وسط بغداد “وصلت الى مكان عملي اليوم في ربع ساعة، علما اني احتاج عادة لى ساعة وربع للوصول اليه”.
وفي شارع الكرادة بوسط العاصمة التي بدأت منذ مساء الاربعاء تغلق مداخلها ومخارجها عند العاشرة مساء وحتى السادسة صباحا، فرغت محلات الحلاقة والملابس الرجالية والمطاعم الشعبية من الزبائن، فيما ابقت بعض المحلات ابوابها مغلقة.
وقال سلام (25 عاما) الذي يملك محل حلاقة “العمل تراجع كثيرا خلال اليومين الماضيين. ليس فقط محلات الحلاقة التي تعاني، بل كل انواع الاعمال تراجعت بسبب الظروف الامنية الاخيرة”. واضاف “نخشى التطورات طبعا، لكن ان شاء الله لن يحدث اي شيء في بغداد. العراقي لا يخاف”.
وفي بداية الشارع الذي غالبا ما يتعرض الى تفجيرات بسيارات مفخخة واحزمة ناسفة، وقف ابو علاء (54 عاما) وفي يده قطعة من الحديد يرسم بها علامات على قطعة كبيرة من الزجاج وضعها على طاولة رمادية. وقال من خلف نظاراته الدقيقة وقد فتح معظم ازرار قميصه الابيض بسبب الحر الشديد “الوضع كله تغير. الناس كلها مشوشة، كل شخص يشعر انه بات وحده وليس هناك من يحميه”.
واضاف “انها صدمة غير طبيعية، كما صدمة الكويت، الفاجعة نفسها. يوم دخول الكويت الناس كانت تائهة لا تعلم بما يجري، واليوم يتكرر الامر نفسه، لكن معنوياتنا في الارض الان. انتهت معنوياتنا”.
وتابع ابو علاء “التطورات الاخيرة أمر لم يكن على البال ابدا. لا اخاف على نفسي لكنني اخشى على عائلتي، واخشى ان اتحول الى لاجئ في لحظة ما. قد يحدث اي شيء في بغداد نعم، لو سئلت هذا السؤال قبل شهر لقلت مستحيل، لكن اليوم كل شيء ممكن”.