- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

أرمينيا وأذربيجان: الاستعداد للموت من أجل ناغورني كاراباخ

Harold BFM TVهارولد هيمان – ناغورني كاراباخ (خاص)

من شدّة النزاعات بين أوكرانيا والعراق، يبدو أنّ حربًا عصبية يُعد لها على بعد 250 كيلومترًا من الحدود بين جمهورية “ناغورني كاراباخ” و”أذربيجان”. فالأولى هي دولة مُعترف بها من قبل جمهورية “أرمينيا” فقط وبالتّالي تكون الجمهوريتان عبارة عن تركيبة سكانية تجمعهما إثنية أرمينية واحدة.

وسقط يوم الأربعاء 11 جوان الصارم، شابان انخرطا في جيش “ناغورني كاراباخ” إثر طلقات أتت من موقع صادر من الوجهة الشّمالية. كنت مُتواجدًا في الوقت نفسه لكن في موقع آخر من النّاحية الجنوبية، وهو موقع هادئ، وكان يحرسه خمسة عشر من الجنود (ولن يُكشف أبدًا عن العدد الرسمي للجنود). وحتّى مع هذه التقسيمات المحصنة من الملاجئ والمخابئ المضادة للطيران ورغم تواجد بعض الأجهزة الإلكترونية إلاّ أنّ ذلك لم يجد نفعًا. فالموتى الذّين سقطوا على الحدود يعيدنا إلى حقيقة الواقع.

وبمجموع 11000 كلم مربع أي ما يعادل مساحة لبنان بأكمله، تكون “ناجورنو كاراباخ” محصورة بين الأراضي الأذربجانية والإيرانية فسكانها هم قلة ويعدّون بحوالي 150000 نسمة إلى جانب 500 كنيسة وكنائس مسيحية، أمّا جيشها فهو غير مجهز كما ينبغي ويفتقر إلى أجهزة الطيران، وبالإضافة إلى ذلك عليه مراقبة 180 كلم من الحدود (وإيران في هذا النزاع غير منحازة) أو بالكاد بحيث سُجل مسقط عشرة من الأموات على الأقل في الحدود سنويًا. ويا لها من أجواء! وإن قام الجيش الأذربيجاني بإطلاق النّار فلأنّ الحكومة الأذربيجانية تطالب بإدماج كامل أراضي “ناجورنو كاراباخ” وهو إقليم خسرته عقب حرب 1991-1994.

الإتحاد السوفياتي سابقًا أوجد “ناغورني كاراباخ”

هذه الأحداث تعود بنا إلى فترة انهيار الإتحاد السوفياتي والاضطرابات النّاجمة عن تقسيم الحدود بين إثنيات تطالب الإستقلال الذّاتي. فلنتذكر الخراب الذّي عرفه الشيشان، لتعود ذكرى الأجواء البلقانية التّي عرفتها منطقة القوقاز وهي وإن كانت مختلفة من منطقة إلى أخرى إلاّ أنّ العنف كان واحدًا.

ولنسترجع بعضًا من الذاكرة التاريخية في هذه المنطقة: فخلال عشرينيات من القرن الماضي انضمت جمهورية “أرمينيا” إلى الإتحاد السوفياتي إلاّ أنّ محميتها الجديدة اشترطت عليها ضمّ “ناجورنو كاراباخ” لجمهورية “أذربيجان” السوفياتية، وتمّ تسوية هذا الإقليم بعد ذلك إلى الثلث ليصبح جزيرة منفصلة عن الوطن الأمّ “أرمينيا”.

فالسوفيات كانوا ينتهجون سياسة تقسيم الشّعوب في الإتحاد السوفياتي ليسهل عليهم تولي زمام السّلطة، أمّا الأذربيجان، الذّين كانوا يقربون من الأتراك، فكانوا يقومون بجعل إقليم “كاراباخ” متسمًا بطابع تركي ولذا كانت النتيجة الوخيمة متوقّعة.

حرب داود وجليات

منذ 1988، بدأ الاتحاد السفياتي يتصدّع فسكان “ناجورنو كاراباخ” طالبوا بانضمامهم إلى جمهورية “أرمينية” أعقبها بعد ذلك رفض الأذربيجان وهنا بدأت الصراعات مع انهيار الاتحاد السوفياتي مع الحرب التّي قامت سنة 1991، والتّي نجم عنها مجازر الأرمان في “أذربيجان”. ومن هنا، دخل جيش الأذربيجان في “ناجورنو كاراباخ” لكن المفاجأة كانت أنّه اصطدم مع جيش آخر مكوّن من سكان “ناغورني كاراباخ” دون الجيش الأرماني الذّي لم يتمكّن له ولم يشأ إعلان الحرب! وهرع متطوعون من التركيبة الأرمانية لنجدة “ناغورني كاراباخ” بحيث التحق مواطنون بصفوف جبهة الجيش وليس معهم إلاّ وسائل ومعدّات استعادوها، وكان أن فُتح معبرًا نحو جمهورية أرمينية. في 1994، تمّ إبرام هدنة بين الجنرالات من الرّوس وكان مئات الآلاف نزحوا من الجيشين واسترجعت حينها “ناغورني كاراباخ” الأقاليم المسوية ولم يعد هناك أيّ أرماني في “أذربيجان” ولا أيّ أذربيجاني في “ناغورني كاراباخ” وكانت هذه الحرب قد خلّفت 30 ألف من القتلى.

المجتمع الدّولي عاجز

نحن في عام 2014، أي عشرون سنة من عمر جمهورية “ناغورني كراباخ”. وهي لا تجرأ إتباعها إلى “أرمينيا”، هذا يعني أنّ حربًا أخرى يمكن أن تُعد في الخفاء. وكان الرّئيس الفرنسي، “فرانسوا هولاند” قد قام بزيارة إلى “القوقاز” الجنوبية في منتصف شهر آيار/مايو الماضي، وألقى جملاً اعتدنا سماعها، من مثل ضرورة أن تعمد كل من  “أذربيجان” و”أرمينيا” لتسوية المشكلة في “ناغورني كراباخ” إلاّ أنّه لم يحدث شيء، فكلّ دولة تنظر إلى “أوكرانيا” وتتساءل عن قواعد اللّعبة السّياسية الجديدة التّي يجب اتباعها: ضمّ القطاع؟ العدوان؟ أم التجنيد والاستعداد للحرب؟ وهل هذا سيكون بمساعدة روسيا أم لا؟ أمّا من جهة “ناغورني كراباخ”، بحيث تعتبر علاقتها حميمية مع روسيا، فإنّ احتقار “الكرملين” لا يعدّ اختيارًا.