- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الاختفاء (قصة)

بقلم عصام حمد*

اقتحمُوا عليه بابَ بيتهِ بجزماتٍ غليظة.

ارتعدَ مذعُوراً في حين صرَخَتْ زوجتُه التي كانت تجلسُ إلى جانبه على الطرَّاحة.

تجمَّد في مجلسهِ لا يَقوى على حركة. ولكنَّ حدقتَيه اتَّسعتا وهو يرمُقهم يتقدَّمون منه بوجوهٍ مُتشفِّية حاقدة.

تمنَّى الاختفاءَ، تمنَّى الذوبانَ في الأرض، تمنَّى أن تمتصَّه الطرَّاحةُ الإسفنجيَّة.

بيأسٍ بحثتْ عيناه في أنحاء الحجرة البسيطة الأثاث عن مخبأ. وإذا به يَتنبَّه إلى زوجته تُسارع فتُلقي على حِجرها الغطاءَ الصوفيَّ، حاجِبةً إيَّاه عن الأنظار الوقِحة. فالتصقَ بها مُرتجفاً- تنبَّهَ الآنَ إلى أنَّه يرتجفُ من خوفٍ، ومن بردٍ غزاه بغتةً. وتمنَّى لو تحجبُه المرأةُ هو أيضاً عن أعيُنهم المُدبَّبة. وقد أحسَّ بها تستجيبُ لتمنِّيه هذا إذ أخفَى طرفُ الغطاء ركبتَه وفخذَه وبعضاً من خاصرته. وجعل يقتربُ منها شيئاً فشيئاً- مُغمضاً عينَيه، مُنكمشاً على نفسه، غائصاً في تمنِّيه- بينما الأقدامُ الثقيلة تضرب الأرضَ مُتَّجهةً نحوه في ظَفَر- حتَّى استغرقَه التمنِّي استغراقاً عجيباً تناسَى معه كلَّ ما يتهدَّدُه على وجه هذه الأرض، وآواه دفءٌ قديمٌ، ورحمةٌ.

*           *          *

وتناقل سكَّانُ الحيِّ الخبرَ المألوف:

اعتُقِلَ الرجلُ، واقتيدَ إلى جهةٍ مجهولة، ولا يُعرَفُ شيءٌ عن مصيره.

ولكنَّ بعضَ الجارات ردَّدنَ خبراً آخر مُناقضاً. قُلنَ إنَّ رجالَ الأمن فتَّشوا بيتَ جارهنَّ الطيِّبِ فلم يعثُروا عليه. إنَّما وجدوا امرأته- وكانت مُتكوِّرةَ البطنِ حُبلى- فانصرفوا خائبينَ حانقين.

ولقد أكَّدت الجاراتُ كلامَهنَّ هذا تأكيداً كثيراً مع ملاحظةٍ غريبةٍ هي أنهنَّ لم يكُنَّ على علمٍ بحَبَل جارتهنَّ. وتَساءلنَ مُتعجِّباتٍ كيف خَفِيَ عن أعينهنَّ الخبيرة ذاك البطنُ المُتكوِّرُ في لقاءاتهنَّ اليوميَّة بها!

*             *               *

ثم إنَّ المرأة الحُبلى وضَعَتْ بعد شهرٍ صبيَّاً يُشبِهُ أباهُ المفقودَ كثيراً، ولكنَّه لا يكُفُّ عن البُكاء.

*قاص من لبنان