- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الرفيق إيل ورفاقه “الممانعون”

معمر عطوي
تطرح وفاة الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ إيل، سؤالاً أخلاقياً أساسياً حول علاقة الاستبداد بالممانعة. فقد أصبح الارتباط عضوياً بين السلطة، التي تدعي مقاومة الخطط والمشاريع الغربية، وبين أداة القتل والاعتقال التي تأتي في سياق التبرير “لقطع دابر المؤامرات”.
لقد تحولت الشيوعية مع نظام “جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية” من فكرة إنسانية هدفها إيجاد الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة إلى نظرية “مقدّسة” لا يمكن معارضتها بأي شكل من الأشكال حتى لو ساهمت في تجويع الناس وفرض أشد أنواع الحظر على حريات الفكر والمعتقد والانفتاح على العالم الآخر.
الأنكى من ذلك، هو أن الاشتراكية العلمية التي وُجدت لمعالجة ظلم لحق بالخليقة بسبب الاقطاع السياسي والبرجوازيات الاقتصادية والأنظمة الوراثية الملكية الاستبدادية، قد أصبحت شعاراً لتركيبة أخرى من الحكم. تركيبة في الظاهر هي مزيج من الشيوعية ونظرية “الأب” كيم ايل تسونغ حول الاكتفاء الذاتي أو الاعتماد على النفس، وهو ما يسمى بالعقيدة الزوتشية”. لكنها في الباطن نظام وراثي استبدادي يجعل الحزب والجيش في خدمة العائلة، في حين ينبغي أن تكون كل مكونات المجتمع بما فيها القيادة الحزبية والسياسية في خدمة الفكرة الإنسانية الرائدة.
مع تسونغ ومن بعده ايل تغيرت النظرية الإنسانية الى “ضد انسانية” وأصبحت ممانعة المشاريع الرأسمالية والإمبريالية ذريعة لكبت أنفاس الناس والقضاء على كل ما يتعلق بطموحاتهم الشخصية وحقهم في ممارسة حرياتهم. بمعنى آخر تحولت الشيوعية مع آل كيم الى حكم وراثي يقدّس الشخص ويجعل من مؤسس الدولة الستالينية إلهاً يُعبد، وذابت الميزة الفردية للشخص في الكل الذي يتماهى مع القائد من دون تفكير.
وكيم يونغ ايل الذي عُرف بـ “القائد العزيز”، يحمل اسماً يتناسب مع الموقع الذي وضعه في والده، فكلمة إيل (اسمه الأول) تعني باللغة الكورية الرقم واحد، ولطالما حكم  الرجل على أساس انه الأول بلا منازع، فسمح لنفسه بالبذخ والافراط في طلب الملذات، بينما كان شعبه يملأ معدته بفخر الصناعة الوطنية من أسلحة غير تقليدية وصواريخ  نووية عابرة للقارات.
نموذج الشيوعية المشوهة في كوريا الشمالية هو تكرار حتمي لما شهدناه في الاتحاد السوفياتي السابق وكوبا وجمهورية ألمانيا الديموقراطية الشرقية والشقيقة الكبرى الصين.
نموذج يتكرر للأسف مع أنظمة أخرى تدّعي الطهرانية ودعم مقاومة الاحتلال الصهيوني والمشاريع والمؤامرات الأميركية في العالم العربي، مثل سوريا- الأسد وحليفتها إيران- الولي الفقيه، والى حد ما فنزويلا- تشافيز، وكذلك كانت ليبيا والعراق من قبل تضطهد شعوبها وتزعم أنها تقاتل من أجل السيادة والاستقلال، مع ان حقيقة الأمور ومنطق التاريخ يؤكدان ان التحرر والانتصار على العدو لا يكون بمعدة خاوية ومواطن مُضطهد.
السؤال الأخلاقي تبلور بشكل واضح جداً مع اندلاع ثورات الربيع العربي، حيث ظهر نموذج الرفيق ايل في أكثر من دولة عربية متحدياً “التدخلات الغربية” والمؤامرات، مع أن سياسته هي التي تشجع هذه التدخلات وتذكي من نار المؤامرات. لم يعد شعار الممانعة في زمن الربيع العربي وسقوط حاجز الخوف سوى ذريعة لقتل الناس واضطهادهم وفي الأخير تنتهي هذه الدول في أحضان “الشيطان الأكبر”، بموجب تسوية قائمة على مصالح متبادلة. وفي حال انتصر منطق التاريخ ستنتهي الممانعات بموت “الرفيق الأعلى” وسقوط عقود من الاستبداد.
جميلة طروحات الدولة الطهرانية الحديثة التي تتغنى بدعم المقاومة والممانعة، لكن ما هو أجمل منها تلك الحرية التي ينبغي أن تكون غاية المقاومة والممانعة لا هدفاً لرصاصها. ألم يع هؤلاء الممانعون من أميركا اللاتينية حتى تخوم فلسطين أن الحرية ومنح المواطن الثقة المطلقة هما أفضل رد على المؤامرات والخطط السياسية والاقتصادية الظالمة؟ السؤال الأخلاقي لا يتوقف عند وفاة الرفيق إيل بالطبع، ففلسطين أيضاً لا ترضى أن يحررها طغاة.