يؤكد التفجير الذي استهدف حاجزاً للدرك اللبناني في ضهر البيدر بين بيروت والبقاع، الأسبوع الماضي، أن الحرب الاستباقية التي يخوضها “حزب الله” في سوريا، لم تنجح كلياً، في منع مقاتلي “داعش” من دخول بلاد الأرز، في حين أن “كتائب عبدالله عزام” و”كتائب أحرار السنة” موجودة في الأصل في لبنان ولها حاضنتها وجمهورها الذي يتماهى مع شعاراتها “المذهبية” وطروحاتها الوهمية الكبرى، بتأسيس دولة محمد والخلفاء، وتطبيق الشريعة.
ويؤكد هذا التفجير الى قصة اعتقال “خليّة إرهابية” في فنادق الحمراء وسط بيروت، أن تدّخل حزب الله في سوريا لم يأت بذريعة رد شر هؤلاء عن لبنان، بقدر ما يصب في برنامج عمل ايراني- سوري – روسي. تجلى هذا البرنامج الذي يستخدم اللغة المذهبية، ايحاءً أو مباشرةً، في العراق من خلال حملة مسعورة باسم التصدي لقوى “التكفير” و”حزب البعث”. حملة تبيّن بوضوح المقلب الآخر من المشهد “الداعشي” في مجتمعاتنا الإسلامية التي باتت بين فكّي “داعش” شيعي” و”داعش” سني.
أما الزائرون الجدد من مستوى V I P، الذين تم اعتقالهم في الحمراء، فلم يكونوا وحدهم. لقد كان هناك عمل أمني كثيف خلال الأيام الماضية، شاركت فيه استخبارات الجيش والأمن العام والداخلية، تم خلاله تفكيك خلايا “جهادية” نائمة ومستيقظة أخرى في البقاع والشمال وصيدا، الى جانب اعتقالات يُعلن عنها بين وقت وآخر، تطال قيادات وناشطين في هذه الجماعات التي باتت تظهر كالفطريات على هوامش مجتمعاتنا اليائسة، المتعلقة بقشّة تحريض مذهبي للخروج من رتابة الستاتيكو السائد بحجة مقاومة الغبن.
في الحقيقة، أن التحريض المذهبي الذي تصاعدت وتيرته ضد “حزب الله”، حتى قبل الانتفاضة السورية، حين كان أحمد الأسير يعتصم في صيدا ويطالب المقاومة بتسليم سلاحها، يؤكد أن توظيف الخلافات المذهبية في حرب أهلية طاحنة تنتظرها المنطقة، لم يكن وليد تدخل “حزب الله” في سوريا. لكن التدخل الذي جاء الإعلان عنه متدرجاً بين حماية مقامات ودفاع عن مواطنين لبنانيين ثم مواطنين شيعة في المناطق الحدودية في محافظة حمص، وصولاً الى إعلان الدفاع عن نظام بشار الأسد بذريعة أن المقاومة مهددة، كان هدية ثمينة قدمها الحزب على طبق من فضة الى اللاعبين بدماء الأغبياء من قوى اقليمية. لقد سعّر هذا التدخل الخلافات والأحقاد بين متطرفي المذهبين، ولم يعد مختلفاً بتاتاً عن أي تدخل أجنبي شيشاني أو فرنسي أو أفغاني أو سعودي في الحرب السورية.
لقد بات كل طرف من الطرفين متّهماً بتحريض مذهبي حتى تثبت إدانته وقد ثبتت مع تطورات العراق الميدانية الأخيرة، حيث عادت أطياف حرب كربلاء تتصدّر عنوان المعركة البغيضة بين “روافض” و”نواصب”، والتي لن ينجو منها أحد هذه المرة في لبنان إلا إذا عاد القيمون على الأمور الى رشدهم ووضعوا مصلحة شعبهم فوق املاءات إيران والسعودية ومن خلفهما أو الى جانبهما. طبعاً هذا اذا كان في لبنان قيّمون أحرار في الواقع.