بسّام الطيارة
ثلاثة أنواع من الشاشات كانت تشتغل أمس: ١) شاشات تلفزيونات العالم التي تابعت سحق ألمانيا للبرازيل في مباريات كأس العالم. ٢) شاشات غير المهتمين بكرة القدم الذين تابعوا أفلام العنف والجنس والموسيقى واللهو. ٣) شاشات طائرات “فانتوم” الأميركية في أيدي طيارين إسرائيليين يتتبعون عليها أهدافهم لقتل المزيد من الفلسطينيين.
هذه الشاشات الثلاث تختصر ببساطة فائقة واقع بني عرب في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. فالشاشة الأولى والثانية هي شاشات التسلية، والتسلية ضرورية في الحياة، هي ضرورية للمجتمعات التي تجاوزت الحداثة وباتت في مقلب ما بعد الحداثة.
مع ذلك تلعب الشاشة الأولى في تلك المجتمعات المتقدمة، وبشكل عام، كرة القدم، دور المخدر للطبقات دون الوسطى والفقيرة تقدم لهم «هواية مجانية» تستنفد الأدرنالين فلا يلتفتون إلى واقعهم الصعب في حقبة هي حقبة أزمة اقتصادية مريرة وعطالة عن العمل وتراجع رهيب للقدرة الشرائية حتى لا نقول تبعدهم عن واقع كونهم فقراء المجتمعات المتقدمة.
الشاشة الثانية تطال طبقة هي متوسطة حسابياً من حيث المدخول ولكنها عاجزة عن إشباع رغباتها الاستهلاكية فتغوص في مسلسلات الدراما وتلفزيون الواقع التي تزيد من حدة رغبات الاستهلاك لدى تلك الطبقة التي تعتبر محرك اقتصاديات الدول المتقدمة، فتزيد من «حماسة العمل والكد والجهد» لتحاكي ما تراه في منتوج هوليود وبوليود، فتقبع في مستنقعات القروض المصرفية لتغوص تحت وطأة الديون المتراكمة، ما يجعلها رهينة أبدية لقطاع العمل.
الشاشة الثالثة التي تؤطر هذا الموت للشعب الفلسطيني تبدو وكأنها وليدة طبيعية للشاشتين الأولى والثانية: فالشعب العربي رغم كونه بعيداً جداً عن المجتمعات الحديثة (رغم وجود الهواتف الذكية والأقمار الإصطناعية والسيارات المستوردة وكميات هائلة من أحدث الأسلحة التي ينتظرها الصدأ…) وبالرغم من وجود “فيسبوك”- أو لربما بسبب الاستعمال الواهي الخفيف والسطحي لوسائط التواصل الاجتماعي- هي مجتمعات متخلفة حسب كل المفاهيم العلمية حتى القواعد العلمية التي يدرسها الطلاب العرب والمستوردة من الخارج مثلها مثل السيارة والحنفية والهاتف الذكي، «نجيد» استعمالها ونعجز عن فهم ما في داخلها … ما عدا الحنفيات… والله أعلم!
المقاومون فقط غير متخلفين.
يسمح لنفسه الطيار الإسرائيلي بقتل الأبرياء من شعب فلسطين المقاوم لسببين مرتبطين ارتباطاً عضوياً: أولاً لأنهم مقاومون لهيمنة مبرمجة للمنطقة العربية، ثانياً لأن الأكثرية العربية تتلهى بالشاشتين الأولى والثانية.
القابعون وراء شاشات الكرة وتلفزيون الواقع يعتبرون أنهم غير مستهدفين، وهم تربوا على شعار «بدنا نعيش» هذا شعار الذي أدخله أنور السادات في اللاوعي المصري وتمدد في اللاوعي العربي منذ ٣٦ سنة. وما يحصل اليوم في العراق وسوريا والأردن ولبنان هو بعض من هذا السم الذي دخل في اللاوعي العربي.
تحرك الجهاديين ليس بثورة والانحراف نحو التطرف الديني هو نوع من «بدنا نعيش… ديننا» ولا ننظر إلى ما يحصل عند جارنا. نسأل داعش والداعشيين والنصرة ونصراويين والقاعدة والقاعديين هل ترون ما يحصل في فلسطين ؟؟ أعطونا تبريراً «شرعياً» لصمتكم… إن لم تكونوا متلبسين بجرم المشاركة بذبح فلسطين.
سؤال نوجهه الى كافة «الأنظمة التي تعيش داخل حدودها» سؤال نوجهه للحكام ولمعارضيهم ولكافة القوى السياسية من المحيط إلى الخليج: ماذا تفعلون لنجدة فلسطين والفلسطينين؟ هل تتحركون بعد نهاية المونديال… ؟