- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

خطة على الطريقة «اليابانية» لاسترداد فلسطين

Bassam 2013نقطة على السطر

بسّام الطيارة

اجتمع تسعة يابانيين في ١٦ آب/أغسطس بعد يوم واحد من إعلان استسلام اليابان عام ١٩٤٥،حصل ذلك في شقة في طوكيو تطل على العاصمة المدمرة. هدف الاجتماع كان وضع خطة عمل لإعادة إعمار ما تهدم وبناء الآلة الصناعية وإنهاء الاحتلال الأميركي. تم هذا الاجتماع قبل ١٢ يوما من وصول الجنود  الأميركيين.

اليوم غزة تحت الحديد والنار والقتلى بالعشرات. أمس القريب كانت غزة تحت النار. قبل سنوات أيضاً كانت غزة تحت النار. قبل عقود عقب أول وثاني وثالث حرب خسر العرب فلسطين. ومنذ هذا التاريخ تعربد اسرائيل يومياً تهدم منازل وتعتقل وتقتل أبناء فلسطين. ولكن حتى اليوم لم يلتئم اجتماع يحاكي اجتماع هؤلاء اليابانيين لوضع خطة لتحرير فلسطين. قد تفشل في مراحل أو تنجح بعد حين ولكن بما أنها غائبة إذ لا أمل لها بالنجاح.

التنديد بإسرائيل هو بمثابة فشة خلق. فهو يريح آنياً  بالإشارة إلى جرائم إسرائيل، قد يسبب هذا بعض الاشمئزاز عند تبادل صور القتلى من الاطفال على “فيسبوك”، قد يستدر بعض العطف. ولكن كل هذا لا ينفع. كما لا ينفع أيضاً وضع حزام ناسف والارتماء بين الإسرائيليين.

يعيش العرب والفلسطينيون منذ ١٩٤٨ على بساط خطأ جسيم وهو غياب خطة عمل ثابتة تحدد هدفا «قوميا» ثابتا لا يتغير بعيداً عن الشعارات الفضفاضة التي يتلاعب بها السياسيون ألسنياً كلما تراجعت مواقفهم بسبب الهزائم المتراكمة والمتلاحقة. هذه الخطة تتبع مساراً قد يتغير مسلكه ولكن لا يتغير اتجاهه وهدفه استرداد فلسطين.

هذا الهدف موجود في عقول وقلوب جراح الفلسطينيين ولكنه غائب عن التطبيق العملي. التقى العرب في مناسبتين وفي محاولتين لوضع خطة قومية لتحرير فلسطين: مرة عندما انطلقت «حركة التحرير الوطني الفلسطيني» بقيادة ياسر عرفات وهذه الانطلاقة كانت وليدة اجتماع شبيه بـ«الاجتماع الياباني». ومرة عندما تمخضت قمة عربية في الخرطوم بـ« ثلاث لاءات» (لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض)، وكانت النتيجة أن مصر السادات وأردن الحسين ومنظمة عرفات «صالحت واعترفت وتفاوضت».وأدى هذا التشقق إلى انهيار الهدف القومي الثابت. ضاعت البوصلة ونشاهد اليوم النتيجة الدراماتيكية. لم تعد هناك أرض فلسطينية كي تعيدها إسرائيل، لم يعد لدى إسرائيل من أنظمة تعاديها بل تجد أمامها أنظمة تستجدي «هدنة» بأي ثمن كان.

ما بقي من ذكريات الهدف القومي تقبع في عقول الشعوب العربية ومخيلاتها.  أما رغبة العمل للعودة إلى مسار هذا الهدف القومي أي استرداد فلسطين فقط سقطت من هذه العقول وتبخرت من مخيلات الشعوب العربية . الشعوب «بدها تعيش» ولكن لا يمنعها هذا من البكاء والتنديد باسرائيل ورمي بعض الشكاوى وكليبات مآسي الغزاويين على حيطان “فيسبوك”. أما التخطيط لعودة أي «الهدف القومي» فحدث ولا حرج لا أحد يملك الثقة التي كانت لدى اليابانيين التسعة الذين التقوا في هذه الشقة غداة الهزيمة.

العزيمة لدى الشعوب العربية مفقودة وطالما هي مفقودة فلا أمل بعودة شبر واحد من الأراضي المحتلة. والأنكى من ذلك أن خطراً كبيراً يتربص بالشعوب العربية إلى جانب الخطر الاسرائيلي: إذ يبدو أن التكفيريين (من القاعدة إلى داعش مروراً بكافة الجهاديين) كان لهم «لقاءً» يحاكي لقاء اليابانيين. وهم وضعوا خطة لبلوغ «هدف إسلامي»، وهم يتبعون خطتهم … بثبات. وهذا سبب نجاحهم في السنوات الأخيرة. يكرون ويفرون ولكنهم ثابتون على خط مسارهم وهو بالطبع لا يتوجه نحو فلسطين.