- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

تكنولوجيا الموت

Attwi Moammar 2014معمر عطوي

من يتأمل واقع القرن الواحدة والعشرين اليوم في سنواته الأولى يُصاب بقشعريرة مخيفة لما يراه من مشاهد موت ودمار وأساليب قتل جديدة يندى لها الجبين. فرغم كل ما قدّمته التكنولوجيا من وسائل لتسهيل حياة الإنسان في تواصله مع الآخرين وفي تعبئة وقته بمنجزاتها التي جعلت عينيه على مدار الساعة تحملق في شاشة صغيرة لا تزيد عن حجم كف يده، بينما أصابعه تعبث في لوحة مفاتيح صغيرة جداً، من خلالها يستطيع مخاطبة العالم.

كل هذه المنجزات العلمية التي نراها والهواتف الذكية، خرج في ازائها قنابل ذكية وأسلحة وترسانات نووية وصواريخ باليتستية وأفكار “ذكية” لزيادة حجم الإجرام. حتى على مستويات بسيطة بتنا نتفنن في إخراج شرائط مصورة عبر هواتف ذكية تظهر قدرتنا على ممارسة تعذيب الأطفال وتعويد أطفالنا على ممارسة العنف والعنصرية والتمييز ضد الآخر، كما حدث في الشريط الأخير الذي يصور طفلاً بريئاً يحمل عصا ويضرب طفلاً بريئاً آخر بتشجيع من أقاربه الكبار. هنا كانت التكنولوجيا هي الوسيلة التي فضحت ما يحدث في الأصل.

هذا الأسبوع بالذات حفل كل ما حولنا من وسائل اتصال حديثة بنقل صور مقززة عن القتل والإجرام؛ صور من قطاع غزة التي كان لأطفالها النصيب الأكبر من القتل. صور تقشعر لها الأبدان.

ومن العراق وسوريا، صور أخرى لمجازر “داعش” والأنظمة العربية والإقليمية معاً، إذ لكل نظام أو جهاز استخبارات يد في أعمال هذه التنظيمات المتطرفة التي باتت تمارس الرجم والجلد وقطع الأعضاء والتصفية بالرصاص بحجة إقامة الحد وتطبيق الشريعة. ولو أنها بالفعل تنظيمات إسلامية تعمل وفق مقاصد الشريعة لبدأت بتطوير حياة الناس وتنمية شؤونهم الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتعليمية وسدّت النقص الذي أحدثته الأنظمة التقليدية الفاسدة.

لكن على ما يبدو ان “الدواعش” على اختلاف مذاهبهم وصورهم هم صنائع هذه الأنظمة القمعية الاستبدادية. لقد سُجنوا في زنازينها أو تربّوا على موائدها وخرجوا بكفاءات عليا في الإجرام. حتى الصادق منهم مع نفسه في نيته اقامة “شرع الله والعدالة الالهية” مارس ردة فعل شبيهة بالفعل الذي عودتنا عليه أجهزة استخبارات هذه الأنظمة. أجهزة لا تقل إجراماً عن الصهيونية وممارساتها العدوانية؛ إذ تمارس سحب أظافر الأطفال وقطع أعضائهم وتحويل السجناء الى اشخاص محطمين النفسيات او معطوبين لا يستطيعون إكمال مسيرة الحياة حين يخرجون من أقبية التعذيب التي لا يعرف مكانها حتى الذباب الأزرق.

مشهد ركان الطائرة الماليزية التي سقطت فوق شرق أوكرانيا يعطي لعبة الدم عنصراً جديداً، إذ يتحول الركاب من أشخاص يستمتعون برحلة جوية، وجلهم من علماء الطب، إلى قطع لحم متناثرة بين مقاعدهم المحروقة وحطام الطائرة التي اختلط معدنها بدمهم وأشلائهم فباتت الرحلة نحو الجحيم بالفعل لا بالتصور هذه المرة.

اللافت أن آلة الإجرام تزداد تطوراً مع تطور الهواتف الذكية. فهل لهذه التنكولوجيات الجديدة دور في استلاب ما تبقى من أنسنة، على الرغم من أن الإجرام ظاهرة تاريخية وليست حديثة.

بالفعل لم يعد هذه العالم مغرياً للعيش على أرضه، فقد بات عنصرا القتل والدم أهم ما في مشهده اليومي، وأكثر من ذلك ارتبطت تراجيديا الموت بأسطورة التكوين وبات كل يبحث عن خلاصه في الكتب الصفراء، وكل يفسّر ما يحدث على أنه نهاية الكون أو يوم القيامة ليخفف من حجم المسؤولية البشرية عن حدوث هذه الكارثة. المفارقة المميتة أن كل من البشر بات يعتبر نفسه “شعب الله المختار”، لكن المستفيد من كل ذلك هي منظمة عالمية بالغة القوة تعرف كيف تستغل الجنوح نحو الإجرام لتوظيف كل ما على هذه البسيطة وفي باطنها من خيرات لمصلحتة أعضائها.