- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الاضراب والانتخابات: فصلان من الصراع السوري

تميز الاسبوعان الماضيان بأن طرفي الصراع في سوريا حاولا خوض جولة سياسية من الصراع المتواصل في البلاد والمستمر منذ تسعة اشهر. حيث بادر الحراك السوري الى اعلان بدء اضراب الحرية، فيما قامت السلطات بتنظيم انتخابات الادارة المحلية، وتضمن كلاهما استعراض لقوة الطرفين السياسية سواء كان الاستعراض معلناً، او بصورة غير معلنة.
ويمثل هذا التطور، في الصراع الذي تشهده سوريا، محاولة من الجانبين ليس فقط لاثبات الذات، وتأكيد الوجود، بل القول انه مازال لدى كل طرف منهما رصيد او قوة سياسية لاستمرار الصراع مع الاخر رغم الانسداد الواضح الذي وصلت اليه حالة الصراع في الجانب المتصل بالحل الامني/ العسكري الذي اختاره النظام للتعامل مع التظاهرات وحركة الاحتجاج منذ بدايتها في آذار(مارس) الماضي، وجوهره ان الحل العسكري/الامني لم يتمكن من اخضاع الحراك الشعبي، ولا استطاع الاخير تحقيق هدفه المعلن في اسقاط النظام، مما جعل من الطبيعي ان يلجأ كل منهما الى خطوة أو مبادرة سياسية تعزز قوته، فذهب الحراك السوري الى الشارع  الواسع ليضيف قوة الى حركة التظاهر من خلال بدء حركة اضراب، تتطور لاحقا لتصل حد العصيان المدني في غضون الاسابيع القليلة القادمة على طريق اسقاط النظام او على الاقل توسيع اطار الحراك الشعبي على طريق تحقيق الهدف المنشود، فيما كانت خطوة النظام المقابلة، اجراء الانتخابات المحلية باعتبارها جزءاً من سياق العملية السياسة الاصلاحية التي يبشر النظام بها، مؤكداً انها ستتواصل في البلاد لاخراجها من الازمة بالتزامن مع مقتضيات المعالجة العسكرية/الامنية للوضع الحالي.
ورغم ان طرفاً سعى باقصى طاقته لتحقيق تقدم لصالحه، فان النتائج كانت محدودة. ذلك ان الاضراب لم يشمل القلب الصلب للمناطق المحورية والهامة وخاصة في حلب ودمشق، لكنه كان حاضراً وملموساً ليس في ارياف المدينتين فقط، بل في حوافهما وفي بعض الاحياء، اضافة الى المناطق الاكثر سخونة ومنها درعا وريفها وريف دمشق وغالبية مناطق الوسط السوري ومناطقه الشمالية والشرقية، التي بدا فيها الاضراب قوياً، ومنها انطلقت فكرة ان الاضراب كان ناجحاً، وانه وضع الشارع السوري امام فرصة توسيع حراكه ضد النظام.
وبخلاف ما سبق، فقد احاطت المشكلات بعملية الانتخابات المحلية، والجوهري فيها، انها لم تكن مختلفة الا جزئياً وشكلياَ، عما اعتاد السوريون عليه من انتخابات مماثلة، تنظمها سلطاتهم للدلالة على المشاركة الشعبية، وفي اطار الاختلافات الجزئية، كان غياب قوائم الجبهة الوطنية التقدمية، التي تضم حزب البعث الحاكم وجماعات اخرى متحالفه معه، واستعيض عنها بما سمي قوائم الوحدة الوطنية، والتي عزف المنتمون اليها مقطوعات النظام، ورددوا مقولاته على نحو ما كان يفعله مرشحو الجبهة في السابق، لكن الاهم في الانتخابات كانت محدودية المشاركة الشعبية وحضور امني كثيف، وهو امر ظاهر في اغلب المناطق الهادئة ومنها دمشق في وقت ترددت فيه انباء عن تعطل الانتخابات في المناطق الملتهبة نتيجة تردي الاحوال الامنية ورفض قسم من سكانها المشاركة في العملية الانتخابية، مما جعل الانتخابات محدودة الاثر والتأثير على دور النظام وقوته في الازمة القائمة.
لقد عكس تزامن الاضراب والانتخابات حالة من الصراع السياسي بين الحراك الشعبي والسلطة. غير ان نتائج كل منهما كانت مختلفة. اذ حقق الاضراب بعضاُ من نتائج تدعم الحراك وتفتح افقاً لمستقبل الصراع امامه، فيما عجزت الانتخابات عن فعل ذلك، ان لم نقل انها جاءت بنتائج عكسية خلاصتها، ان النظام عاجز عن تحقيق اصلاحات تساهم في معالجة الازمة او تخفف من تردياتها على الاقل، اضافة الى عجزها عن جذب السوريين، والسبب الاساسي في هذه النتائج المختلفة والمتناقضة، يعود الى الافق الذي يحكم سياسية وتصرفات كل واحد من الطرفين. فالحراك تقوم استراتيجيته الى احداث تحولات سياسية اقتصادية واجتماعية في حياة السورببن وكيانهم السياسي، فيما تنصب هموم النظام على هزيمة الحراك والاحتفاظ بالسلطة عن طريق الحل الامني/ العسكري، والذي يمكن ان تدعمه وتسانده خطوات سياسية، يصفها النظام بـ “الاصلاحية”، لكنها في حقيقة الامر مجرد ملحقات بالحل الامني/العسكري، هدفها تعزيز وتسويق نتائجه ليس الا.