- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

مصر ــ إسرائيل… المواجهة المؤجّلة

زاوية حادّة

 

حسام كنفاني

لم تكن إسرائيل تنظر يوماً إلى الحدود مع مصر، منذ توقيع اتفاق كامب ديفيد ومن ثم تفكيك المستوطنات في سيناء، بأنها “حدود آمنة مئة بالمئة”. فرغم غياب الجيش المصري عن الحدود، وفق اتفاقية السلام، كانت الدولة العبرية تأخذ الكثير من الحذر في التعاطي الأمني مع “الجار الجنوبي”، ولاسيما أنها مدركة بأن “الاتفاقية السلمية” منبوذة شعبياً من قبل الغالبية العظمى من المصريين، وهو ما وقف حائلاً دون دخول التطبيع حيز التنفيذ طوال السنوات الثلاثين الماضية.

ما حدث يوم الجمعة الماضي أمام السفارة الإسرائيلية في القاهرة واقتحام مجموعة من الشبان للمبنى، جاء ليؤكّد لإسرائيل ما كانت تخشى منه منذ سقوط الرئيس المخلوع حسني مبارك وتسلّم العسكر لمقاليد الحكم في البلاد. القناعة اليوم في إسرائيل هي أن العلاقة مع القاهرة لن تعود كما كانت، حتى أن أحد الضباط الإسرائيليين ذهب إلى حد القول إن الحدود مع مصر أكثر توتراً من تلك مع لبنان. تصريح يحمل الكثير من الدلالات عن الحذر الجدي من تحول الخطوط الجنوبية إلى خطوط مواجهة خلال فترة قريبة من الزمن تحت ضغط المطالب الشعبية، التي رفعت شعار إسقاط معاهدة السلام مع إسرائيل في اليوم التالي لسقوط مبارك. ورغم أن المطلب لم يكن مدوياً ولا محل إجماع في الأيام الأولى التي تلت نهاية حكم مبارك، إلا أنه بدأ يخرج عالياً بعد المواجهة الأخيرة في سيناء، في أعقاب عملية إيلات، وسقوط عدد من الجنود المصريين قتلى بنيران جيش الاحتلال.

غير أن المواجهة بين مصر وإسرائيل لم تصل إلى المرحلة الحتمية بعد. هي مؤجلة في الفترة الحالية إلى حين استتباب الأوضاع في أرض الكنانة. فترة قد تطول وقد تقصر، تبعاً للظروف التي تحكم المرحلة الانتقالية في مصر، ولا سيما لجهة اطمئنان العسكر والإسلاميين على اوضاعهم، على اعتبار أن هذين الطرفين ستكون لهما الكلمة الفصل في فترة ما بعد حسني مبارك، سواء في المرحلة الاتقالية أو مرحلة تأسيس الجمهورية الجديدة.

عسكر مصر، الذين تربطهم علاقات وثيقة بالولايات المتحدة، ليسوا في الفترة الحالية في وارد زيادة حجم التخبط الذي يعيشونه، والإرباك الظاهر في إدارتهم لعملية نقل السلطة، التي تثير الكثير من الانتقادات، إلى حد رفع شعار إسقاط حكم العسكر في بلد كان إلى الأمس القريب يرى في الجيش “قدس الأقداس”. مساعي العسكر للاحتواء وتجنب المواجهة برزت في قرارات إعادة تفعيل قانون الطوارئ وتوسيع نطاقه، وهو ما وضع مكاسب الثورة المصرية في دائرة الخطر، ومن شأنه أن يزيد من النقمة عن المجلس العسكري، الذي يبدو مستعداً لاستيعاب الغضب الداخلي لمنع الغضب الخارجي، ولا سيما أن الفترة التي اعقبت سقوط مبارك شهدت تخلخلاً في علاقات مصر مع العديد من الدول، وفي مقدمها دول الخليج، وبالتالي فإن “الحكام الجدد” حريصون على تجنب المزيد من الخسارات الدبلوماسية، وأساساً هم غير مهيئين لمواجهة دبلوماسية أو عسكرية.

الطرف الثاني في المعادلة يتمثّل في الإسلاميين، وتحديداً الإخوان المسلمين، الذين لم يكونوا، خلال السبعين سنة الماضية، أقرب إلى الحكم مما هم عليه الان. الحركة الإسلامية انتظرت طويلاً أن تأتي الفرصة، ومرّت بمراحلة الملاحقة والحظر والعمل السرري، إلى ان بانت لها ملامح السلطة اليوم، وبالتالي فإنها غير مستعدة لإضاعة هذه الفرصة. وعلى هذا الأساس فإنها ساعية إلى تجنيب البلاد اي خضّات أمنية أو سياسية تؤدي إلى إطالة مرحلة الفترة الانتقالية، وتمكين الجيش من تكرار تجربة “حكم الضباط” التي تلت ثورة حزيران/يونيو 1952.

“الإخوان” ليسوا حريصين على الأمن الداخلي لمصر فقط، بل الخارجي أيضاً، وهم يمارسون ما لهم من ثقل عند الحركات الإسلامية الأخرى في الخارج، وخصوصاً فلسطين، لمنع فتح جبهة على حدود مصر مع إسرائيل. ولعل مراقبة تصريحات حركة “حماس”، التي هي جزء لا يتجزأ من التنظيم العالمي لـ “الإخوان”، في الفترة الأخيرة وطريقة تعاطيها مع محاولات التصعيد من قبل الاحتلال أو من بعض الفصائل في قطاع غزة، يعطي فكرة عن مساعي تأجيل المواجهة في الفترة الحالية، وخصوصاً أن أي مواجهة في القطاع ستنجر مصر إليها حكماً في ظل الغضبة الشعبية على العسكر وإسرائيل في آن.

مرحلة العلاقة بين مصر وإسرائيل في الفترة المقبلة ستعود إلى مربع الهدوء، ولو المؤقت، إلا أن يحين موعد المواجهة، التي قد تكون آتية لا محالة، غير انها مؤجّلة إلى أجل غير مسمى.