- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الحريري عاد… لم يعد !

Najat2014نجاة شرف الدين

كثيرة هي التحاليل والقراءات التي تم تداولها على مختلف المستويات ، في شرح أسباب العودة المفاجأة للرئيس سعد الحريري الى لبنان في هذا التوقيت بعد غياب طال لأكثر من ثلاث سنوات متنقلا بين باريس والرياض . صحيح أن التطورات التي حصلت في الأسابيع الماضية في منطقة عرسال البقاعية ،  شكلت محطة مهمة بخطورتها على موقع لبنان ومستقبله ككيان ، وصحيح أن البلد عاش أياما ولحظات صعبة خوفا من تجدد الحرب الأهلية ومن ضرب المؤسسات العسكرية وعلى رأسها الجيش اللبناني ، إلا أن العديد من المحطات مرت خلال السنوات الماضية أوصلت لبنان الى حافة الهاوية الأمنية والسياسية ، لكن الظروف لم تكن قد نضجت لعودة الرئيس الحريري .
أجمع العديد من المراقبين على إعتبار أن عودة الرئيس الحريري جاءت في مرحلة تحول في المنطقة ، بعد سيطرة داعش على المناطق العراقية وعلى رأسها الموصل وتوجهت نحو أربيل ، وبدأت القوات الجوية الأميركية بتوجيه ضربات موجعة لداعش راسخة الخط الأحمر الذي قوامه العاصمة العراقية بغداد ، كما العاصمة الكردية الثانية أربيل لحماية حلفاءها . هذا التطور العسكري رافقه تطور سياسي بتكليف حيدر العبادي لتشكيل حكومة وحدة وطنية ، وإبعاد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بعد إنتخاب الرئيس الجديد كما رئيس البرلمان ، وبالتالي تم التوافق على التركيبة السياسية الجديدة  للبلاد وبقي ترتيب البيوتات الداخلية العراقية بعيدا عن داعش وأخواتها  .
عودة الحريري أتت أيضا بعد تراجع الحدث السوري عربيا ودوليا ، لصالح التطورات في غزة والعدوان الإسرائيلي الذي خلف الآلاف من الشهداء والجرحى والدمار ، وهو ما أعاد الى الواجهة مسألة القضية الفلسطينية والتجاذب بين القوى الإقليمية في دعمها وإستعمالها في أوراق الصراع في المنطقة .
داخليا ، عاد الحريري حاملا معه الهبة السعودية بقيمة مليار دولار لمساعدة الجيش والأجهزة الأمنية من أجل مواجهة الإرهاب ، كما عاد حاملا هواجس الشارع السني الداخلي فبدأ بترتيب دار الفتوى وإنتخاب مفتي جديد هو الشيخ عبد اللطيف دريان بالتوافق بين مختلف الأطراف ، وهو أتبعه بغداء تصالحي شارك فيه الرئيس السابق نجيب ميقاتي . وعاد الحريري لترتيب البيت المستقبلي الذي هزته الأحداث العديدة من طرابلس الى عكار مرورا في عبرا وصولا الى عرسال ، وهو جمع مؤيديه وبدأ العمل في أروقة القصر الداخلية لتسويق الشعار الذي حمله الحريري ” الإعتدال السني  ” في مواجهة التطرف  .
ربما من المبكر الحديث عن نتائج لعودة الرئيس الحريري ، خاصة في ظل التعقيدات في المشهد الإقليمي، وربما من المبكر أيضا الحديث عن تسويات كبرى برعاية أميركية وبمشاركة إيرانية وسعودية من أجل ضمان الإستقرار الدائم في لبنان ، إلا أن القراءة الهادئة للمشهد اللبناني تقتضي القول،  إن هناك مصلحة لأطراف إقليمية  وداخلية بتجميد الوضع اللبناني والحد من تفاقم الأوضاع الأمنية كل من موقعه ، ومعالجة أو تسوية الأزمة السياسية تحتاج الى توافق بين كل الأطراف ، وهو غير متوفر حاليا بغياب الحوار بين الطرفين الأساسيين أي حزب الله والمستقبل .
عاد الرئيس الحريري ، إلا أن إنتخاب رئيس للجمهورية لن يكون البند الأول ، فهو ملف ينتظر توافقات ليست متوافرة في القريب العاجل ، كما أن المجلس النيابي بدأ العمل لتحضير مرسوم التمديد مجددا له ، والخطوات التي يمكن ان يقوم بها الحريري محدودة المفاعيل مع إستمرار حكومة ربط النزاع ، وهي تتركز على المساهمة في تثبيت ” إستقرار الضرورة ” كما أسماه نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم وليس زمن التسويات،  كما أن تطورات المنطقة ليس لها إنعكاس على لبنان .
الضجيج الذي أحدثه الحريري بعودته ، سيخفت مع مرور الأيام وصعوبة إيجاد الحلول الجذرية للأزمات الكبرى وسيكون واحدا من قيادات إدارة الأزمة السياسية ، بغياب الظروف والإرادة التي يمكنها أن تضمن أكثر من وضع لبنان في البراد …