- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

بين الوداعين …موت واحد بربيعين مختلفين

مشهدان مرا في وسائل الاعلام في اسبوع واحد بعيداً عن الثورات والحراك في العالم العربي وحظيا بتغطية واسعة رغم تفاوت موقعهما. الاول لاحد قياديي الثورة المخملية، الكاتب المسرحي والفنان فاتسلاف هافل، و”من أضاء النور في أحلك الأوقات ظلمة”،  كما وصفته صديقته التشيكية الاصل مادلين اولبرايت. والثاني لـ “القائد العزيز”، كما يسمى، والشخصية الاكثر غموضاً والمناور الذكي “والشخص المتمكن”، كما وصفته أيضاً اولبرايت، كيم جونغ ايل، زعيم كوريا الشمالية .

منذ اللحظة الاولى للاعلان عن وفاة هافل اهتم الاعلام الاوروبي بالحديث عن حياة هذا الكاتب المسرحي والأديب  الذي تحول الى  رئيس لتشيكسلوفاكيا وبعدها لتشيكيا، وهي من التجارب القليلة في العالم. ركز الاعلام الغربي، ولا سيما الفرنسي، على شخصية هافل الذي عرضت مسرحيته الاولى عام ٦٣ والتي كان يسخر فيها من النظام الشيوعي، وكيف مُنع من المسرح بعد “ربيع براغ ” عام ١٩٦٨، وتحول الى السياسة وحكم عليه بالسجن عام ٧٩ لمدة خمسة اعوام وصولا الى انتخابه في ٢٩ ديسمبر ١٩٨٩ رئيساً جديداً للبلاد .

في المقابل بدا الاعلام العالمي مهتماً بشخصية كيم جونغ ايل وبانتقال السلطة والاستقرار وتأثيرات ذلك على الاسواق المالية وأسعار النفط والذهب وموقع كوريا الشمالية الدولة النووية، خاصة من قبل الاعلام الاميركي الذي نقل ردود الفعل الدولية، ولا سيما دعوة الولايات المتحدة الى انتقال سلمي ومستقر للسلطة  كما اهتم بالحديث عن خليفة كيم جونغ ايل، كيم الثالث، نجله كيم جونغ اون.

كان اللافت في الاعلام الكوري الشمالي، وخاصة في التلفزيون الرسمي، هذا الحزن الظاهر في كافة المشاهد من المذيعة المتشحة بالسواد والخجولة حتى من النظر في الكاميرا وهي تنقل الوقائع الى مشهد طوابير الكوريين الذين قدموا لالقاء نظرة اخيرة على زعيمهم المسجى في تابوت من الزجاج في بيونغ يانغ. التلفزيون الكوري الشمالي استمر بنقل مشاهد الحزن الجماعي وحشود البشر الذين ينحنون امام صور وتماثيل الزعيم وأمام جثمانه الذي يبقى حتى التشييع في ٢٨ الجاري .

مشهد التشييع البسيط والمعبر والهادئ لهافل اقتصر على جنازة رسمية وشعبية في كنيسة في براغ وشارك فيها بعض الزعماء الأوروبيين، ولا سيما الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، اضافة الى حضور اميركي تقدمه الرئيس السابق بيل كلينتون وزوجته وزيرة الخارجية هيلاري. رغم الحشد الشعبي والذي تميز بالشباب ممن ربما لا يعرفون هافل، الا ان التكريم الدولي له كان لافتا .

غادر هافل حاملاً معه اول ربيع اوروبي ولم يشأ ان يترك نجلا ليكمل المسيرة، بل ترك مجموعة من الكتب وتجربة مميزة في الحكم وصداقات في العالم. وغادر كيم جونغ ايل بعد ان تم ترفيع “الرفيق كيم جونغ اون الى صف القائد الاعلى والعام ليكمل الثورة”، في مشهد نادر لانتقال السلطة الى ثالث افراد هذه العائلة التي اقامت نظاما شيوعيا وراثيا مختلفا في العالم .

من الصعب المقارنة بين مشهدي براغ وربيعها المبكر وبيونغ يانغ وربيعها الذي لم يأت حتى بعد الموت. فالموت واحد لكن الربيع مختلف.